قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

العرش والكرسي

صفحة 41 - الجزء 1

العرش والكرسي

  قال جمهور أئمتنا $: والعرش الذي ذكره الله تعالى في القرآن مجاز يراد به العز والملك، وهذا المجاز ثابت في لغة العرب، قال ربيعة بن عبيد:

  إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم ... بعتيبة بن الحارث بن شهاب

  أي هدمت عزهم وملكهم.

  وقال زهير بن أبي سلمى:

  تدراكتما عبساً وقد ثل عرشها ... وذبيان قد زلت بأقدامها النعل

  وقال آخر من بني كلب:

  رأوا عرشي تثلم جانباه ... فلمَّا أن تثلَّم أفردوني

  وما زال هذا الاستعمال المجازي متداولاً حتى اليوم، فكثيراً ما نسمع في التهاني إلى الملوك بنحو قولهم: نهنئكم باستيلائكم على عرش المملكة الفلانية، يريدون بذلك الاستيلاء على ملكها.

  وأما قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِم ...}⁣[الزمر: ٥٧]. فمن الكنايات التي تزيد في حسن الكلام، وتحلق به في سماء البلاغة.

  ووجه البلاغة والحسن في هذه الكناية هو تصوير المعنى المعقول في صورة محسوسة فإن العرب المخاطبين بهذا الكلام ما كانوا ليفهموا درجة تعظيم الملائكة لربهم لولا هذا التعبير الذي صور لهم ذلك في صورة تكاد أعينهم أن تراها على ما هي عليه من تعظيم الله .

  وطبيعة الكناية أن المقصود فيها هو المعنى اللازم، ولتوضيح طبيعة الكناية نورد شيئاً من الأمثلة المتداولة عند الناس اليوم.

  فمن ذلك قولهم: فلان كبير البطن، يريدون بذلك وصفه بالطمع والجشع.

  ومن ذلك قولهم: فؤاد فلان كبير، يريدون وصفه بالبَلَهِ والبَلَادة.