قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

في الإحباط

صفحة 259 - الجزء 1

في الإحباط

  لا يلزم التائب أن يقضي الطاعات التي فعلها في حال عصيانه، ولا خلاف في ذلك، وليس ذلك بسبب أنها كانت مقبولة منه، بل لأن التوبة أسقطت القضاء بالقياس على توبة الكافر والمرتد، كما قال الناصر #: من ترك الصلاة عامداً فسق وعليه التوبة دون إعادة الصلاة، يعني قضاءها.

  وقال الإمام القاسم بن إبراهيم في جواب مَنْ سأله عن رجل ترك الصلاة في حداثته عشر سنين، وكان شارب مسكر، ثم تاب: أيعيد الصلوات أم كيف يصنع؟

  فقال #: من ترك صلاته عشراً مقلاً كان أو مكثراً، ثم تاب إلى الله فيما يستقبل من ترك صلاته، كما يتوب إليه من غير ذلك من سيئاته، فإن كانت توبته في نهار صلى مثل ما ترك من صلاة النهار، وإن كانت في الليل صلى مثل ما ترك من صلاة ليلته. انتهى.

  واعلم أن إحباط الحسنات بارتكاب الكبائر، وتكفير السيئات بالتوبة وبالحسنات لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في كيفية ذلك.

  فعند بعض المعتزلة أن ذلك يقع بالموازنة، فمن كان له أحد عشر جزءاً من الثواب، وفعل ما يوجب عشرة أجزاء من العقاب، فإن العشرة تسقط مقابل العشرة، ويبقى له جزءٌ واحدٌ من الحسنات يدخل به الجنة.

  وقال بعضهم: يسقط الأقل من الأجزاء، ولا يسقط من الأكثر شيء، ففي المثال المذكور تسقط العشرة الأجزاء ويبقى الأحد عشر جزءاً كاملة.

  والذي عليه قدماء أهل البيت $ أن أجزاء الثواب والعقاب لا يجتمعان، وأن الأعمال على خواتمها، فمن وافق موته عملاً صالحاً، فقد فاز وظفر، ومن وافق موته عملاً سيئاً كان من الخاسرين.

  هذا، ويستدل أهل الموازنة بقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ٨}⁣[الزلزلة].