قول الأمورية
  ألا ترى أن الإنسان قد يكون عالماً بشيء أو أشياء ثم بعد فترة يغيب عنه علم ذلك، وقد يكون قادراً على حمل شيء معين ثم تذهب القدرة، وهكذا فقد يكون قائماً فيقعد فتذهب عنه صفة القيام، وإلى آخر الصفات.
  إذا عرفت ذلك فمعنى قولهم: صفات الله تعالى هي ذاته: هو تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين، فلا يصح أن تكون صفاته معاني حالة في ذاته تعالى، إذ لو كان المعنى كذلك للزم أن يكون الخالق جل وعلا جسماً، لأن المعاني - كما عرفت - لا تحل إلا في الأجسام، ولا يجوز ولا يصح أن يكون الباري جسماً، إذ لو كان جسماً لكان محدثاً؛ لأن الأجسام محدثة لما فيها من دلائل الحدوث الذي هو ملازمتها للأعراض المحدثة: كالحركة، والسكون، والاجتماع، والافتراق، ونحو ذلك، فوجب لذلك أن ننفي كون صفات الله تعالى معاني حالة في ذاته كما هي الحال في المخلوقات، فقلنا: صفات الله هي ذاته، بمعنى أنه ليس إلا ذاته، فهو قادر بذاته، وحي بذاته، وعالم بذاته، وسميع وبصير بذاته، بخلاف المخلوقات، فالسميع منها يقال إنه سميع بآلة السمع، وبصير بآلة البصر، وقادر بقدرة، وعالم بعلم.
  نعم، إذا قلنا: إن الله تعالى قادر بذاته فلا يعني ذلك أن ذاته آلة للقدرة، بل يراد بذلك المفارقة بين الله جل وعلا وبين المخلوق، فإذا كان المخلوق قادراً بقدرة، وعالماً بعلم، وسميعاً بسمع، وبصيراً ببصر، فإن الله جلا وعلا قادر لأنه الله، وعالم لأنه الله، فلا آلة ولا علة ولا سبب إلا أنه الله جلَّ وعلا، وعند هذه المعرفة ينقطع علم المخلوق، فلا سبيل إلى ما وراء هذه المعرفة، قال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}.
قول الأمورية
  وقال بعضهم: بل صفاته تعالى أمور زائدة على ذاته تعالى، لا هي الله ولا غيره، ولا شيء ولا لاشيء.
  وإنما قالوا ذلك لأنه لا بد من أمر زائد على ذاته به تقع المخالفة بين ذاته تعالى وبين سائر الذوات، هكذا يعتقدون، وسبب اعتقادهم ذلك: أنهم أدخلوا ذات الباري