قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الحكمة في فناء العالم

صفحة 137 - الجزء 1

  وَاخْتِرَاعِهَا ... وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَعُودُ بَعْدَ فَنَاءِ الدُّنْيَا وَحْدَهُ لَا شَيْ ءَ مَعَهُ، كَمَا كَانَ قَبْلَ ابْتِدَائِهَا كَذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ فَنَائِهَا، بِلَا وَقْتٍ، وَلَا مَكَانٍ، وَلَا حِينٍ وَلَا زَمَانٍ، عُدِمَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الْآجَالُ وَالْأَوْقَاتُ، وَزَالَتِ السِّنُونَ وَالسَّاعَاتُ ... إلى قوله #: وَلآ شَيْ ءَ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ).

  قال في الشرح: وظاهر كلام القاسم والهادي والمرتضى $ أن فناء العالم هو تبديده وتمزيقه وتركيبه على غير هيئاته التي كان عليها، لا أنه يعدم، وإن كان ذلك جائزاً من جهة العقل؛ لأن الله على كل شيء قدير.

  قلت: ويؤيد ذلك نحو قوله تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً ٤ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً ٥ فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً ٦}⁣[الواقعة] وإذا صارت الأرض والجبال هباءً منبثاً فإنها بعد تساقط الهباء تستوي كما قال سبحانه في وصفها في ذلك اليوم: {وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً}⁣[الكهف: ٤٧] {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً ١٠٧}⁣[طه] وكل ذلك دليل على أن الأرض هذه هي أرض المحشر، إلا أنها تتغير، وتتحول إلى أرض مستوية، والله أعلم.

الحكمة في فناء العالم

  ووجه حسن فناء العالم هو المخالفة والتفريق بين دار التكليف ودار الجزاء، وذلك أن الله سبحانه وتعالى لو أثاب المحسنين وعاقب المسيئين في دار الدنيا لما علم كل منهم أن ما وصل إليه من الثواب أو العقاب جزاء على ما عمل، فالعاصي ربما يقول: إنما وصل إليه من العقاب نكبة من نكبات الدهر التي تصيب أمثاله، والمطيع ربما قال: إن ذلك من سائر تفضلات الله على عباده، ومن جملة إنعامه وإحسانه، وبالفناء ثم الإعادة يعلم المطيع والعاصي علماً لا شك فيه أن ما وصل إليهما جزاء على ما سلف من الأعمال.

  هذا، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى حكمة البعث في قوله تعالى حكاية عن الذين كفروا: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ٣٨ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ