قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الرخص والغلاء

صفحة 140 - الجزء 1

  ولا منافاة بين التكسب والتوكل؛ لأن الزارع متوكل على الله في إلقاء البذر وإنباته، وسقيه، وسلامته، من الآفات، والضارب في الأرض يتوكل على الله فيقطع القفار، ويخوض البحار.

  وضمان الله تعالى رزق عباده كما في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}⁣[هود: ٦]، لا ينافي جواز التكسب أو ندبه أو إباحته؛ لأن الله تعالى جعل أحوال الدنيا مترتبة على الأسباب ومربوطة بها، وموت من يموت جوعاً أو عطشاً لا ينافي ضمان الرزق؛ لأن ذلك سبب من أسباب الموت جعله الله تعالى لمصلحة المكلف أو عقوبته.

الرخص والغلاء

  الرخص والغلاء قد يحصلان بسبب من الله تعالى، وقد يحصلان بسبب من الخلق، فإذا أنعم الله على الخلق بكثرة الأمطار، والبركة في الثمار، حصل الرخص، وإذا ابتلاهم تعالى بقلة الأمطار، وزيادة الجدب، حصل الغلاء.

  وحصول الرخص بسبب من الخلق قد يكون فيما إذا جلب التجار السلع من موضع خصيب إلى موضع أخصب منه، فإنه بذلك تكثر السلع في السوق، وهناك يحصل الرخص، والغلاء يحصل في ما إذا تغلب الظلمة وكبار التجار في أيام الغلاء على الحبوب ونحوها، فهناك يقل وجودها في السوق، وبذلك يحصل الغلاء.

  وقالت الحشوية والمجبرة: بل كل الغلاء من الله، سواء أكان بسبب من الله أم بسبب من غيره.

  قلنا في الجواب: ورد النهي الصحيح عن احتكار الطعام وعن بيع حاضر لباد، وما ذلك إلا لما يترتب على ذلك من حصول الغلاء.

في التكليف

  المراد بالتكليف هنا: هو تحميل المكلف الأحكام الشرعية، وذلك الأحكام الخمسة، التي هي: الوجوب، والندب، والحظر، والكراهة، والإباحة، سواء