قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

تفسير الآيات التي توهم التشبيه

صفحة 66 - الجزء 1

  وقال سبحانه: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}⁣[الرحمن: ٦]، والسجود الحقيقي هو وضع الجبهة على الأرض .... إلخ. وذلك غير متحقق في الشجر.

  إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا يجوز أن يطلق على الله المجاز الذي يلزم منه تشبيه الله تعالى، كالمجاز الذي علاقته المشابهة، أو العموم، أو الخصوص، أو الجزئية، أو الكلية، أو الحالِّيَّة، أو المحلية؛ إذ أن ذلك لا يكون إلا في الأجسام، والله تعالى ليس بجسم.

تفسير الآيات التي توهم التشبيه

  وقد جاء في القرآن آيات توهم التشبيه، منها قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}⁣[القصص: ٨٨]، فقد يتوهم أن الوجه هنا مجاز علاقته الجزئية، فأُطْلِقَ الجزء الذي هو الوجه وأريد به الكل، وليس كذلك؛ لأن الله تعالى ليس بجسم، فلا يوصف بكل ولا جزء، تعالى عن ذلك {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ..}⁣[الشورى: ١١].

  بل التوجيه السليم للآية أن نقول: المجاز المذكور في الآية من النوع الذي علاقته الزيادة كما في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}⁣[الشورى: ١١]، هكذا قالوا.

  وعندي أنه لا بعد في جعل ذلك مما علاقته الجزئية، وذلك أن الجزء في المجاز المذكور غير مراد فلا يستلزم التشبيه، غير أنه يقر حيث ورد من القرآن، ولا يجوز لنا اختراع ما يشابهه من المجازات.

  ومنه قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}⁣[المائدة: ٦٤]، وقال تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}⁣[القمر: ١٤]، وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي}⁣[ص: ٧٥]. وقوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}⁣[المائدة: ١١٦]، ونحو ذلك.

  فنقول: إن القرآن نزل بلغة العرب كما قال تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}⁣[الشعراء: ١٩٥]، والعرب تستعمل في لغتها الحقيقة، والمجاز بأنواعه، والكنايات، وتوسعت في ذلك حتى قال ابن جني: إن المجاز هو الأغلب في اللغة، وأشعارُ العرب وكلامُها مشحون به، وأطبق البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح.