في ذكر الرزق
  وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ٣٩}[النحل].
  وهناك وجه آخر: هو أن الله تعالى جعل الدنيا دار التكليف، فلو أنه عز وعلا أنزل العقوبة بالعصاة في هذه الدار فإن العصاة حينئذ سيتوبون عند معاينة العذاب، وفي هذه الحال لا تقبل التوبة والمعذرة؛ غير أنهم سيحتجون على الله ويقولون: تبنا كالتائبين، وأطعنا كالمطيعين، فلِمَ تعذبنا؟ ولِمَ لا تقبل توبتنا كما قبلتها ممن هو مثلنا؟
  ومع الفناء ثم الإعادة لا يتم لهم حجة على الله تعالى لما شاهدوه من الفصل بين دار العمل ودار الجزاء.
في ذكر الرزق
  الرزق هو كل ما ينتفع به من الأموال وغير الأموال: كالعقل، والقوة، والجوارح، وما يستلذ ويشتهى من مأكول ومشروب، ومنكوح ومشموم، ونحو ذلك، دون الحرام فلا يسمى رزقاً.
  وقالت المجبرة: إن الحرام من جملة الرزق.
  قلنا: قد نهى الله سبحانه وتعالى عن تناول الحرام، والانتفاع به، فكيف يجعله مع هذا رزقاً؟
  وقد فرق الله تعالى بين الحرام والحلال في قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً}[النحل: ٦٧] فسمى ما ينتفع به من ثمرات النخيل والأعناب رزقاً، ولم يسم الخمر رزقاً.
  وقالت فرقة من الباطنية، والصوفية: إنه يحل كل ما علم تحريمه في دين الإسلام من الأموال والفروج وغير ذلك، إلا أن الصوفية تستثني القتل، ويفسرون الآيات التي جاء فيها التحريم والنهي بما يحبون ويهوون، ويقولون: إن له باطناً خلاف ظاهره، كقولهم في الحديث: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل»، لا نكاح إلا بذكر وخصيتين.