قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الميزان

صفحة 289 - الجزء 1

  ومن زيادة الغبطة والسرور في حق المؤمنين حين يرون ما يلحق بالمجرمين من الخزي والحسرة والفضائح، وما يرون من صدق وعد الله سبحانه وعدله في حكمه وإنصافه بين عباده، ونحو ذلك.

الميزان

  المراد بالميزان المذكور في نحو قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}⁣[القارعة: ٦] أن أمر الحساب مبني على غاية العدل والإنصاف، لا أن هناك ميزاناً توزن فيه الأعمال.

  وقال بعض المتكلمين: بل المراد الميزان المعروف على حقيقته، وله عمود ولسان وكفتان.

  قلنا: الأعمال لا توزن؛ إذ هي أعراض معدومة، لا تقوم بنفسها، وقد قال تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ}⁣[الأعراف: ٨] فأخبر تعالى أن الوزن هو الحق، أي: إقامة العدل والإنصاف، وقال سبحانه: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}⁣[الأنبياء: ٤٧] فأخبر أنّ الموازين هي القسط، والقسط هو العدل.

  قلت: يمكن أن يجعل الله تعالى في يوم القيامة لحساب المكلفين لإظهار عدله آلات من قدرته تظهر عليها - بصورة مكشوفة محسوسة - مقادير الأعمال ومقادير النيات والإخلاص والتقوى، حتى يتبين لكل مكلف من المجرمين وغيرهم أن ما يلحقهم من مقادير العذاب من الغاية في العدل، وعلى ذلك يمكن أن يفسر قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ٨}⁣[الزلزلة: ] وقوله تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ٩}⁣[الطارق] ونحو ذلك في القرآن مما أخبر الله تعالى أنه سيظهر يوم الحساب وينكشف.

  أما الميزان الذي يروونه عن ابن عباس: أنه قال في صفته: دون العمود ما بين المشرق والمغرب، وكفة الميزان كأطباق الدنيا، فيبعد صحتها، وذلك أن أرض المحشر هي هذه الأرض التي نعيش عليها اليوم، فإذا كانت كفة الميزان مثلها