تفسير قوله تعالى: {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}
تفسير قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّه}
  الإنسان لا قوة له ولا استطاعة إلى الاهتداء إلى سبيل السعادة الأبدية في جنات النعيم، ولولا هداية الله تعالى له إلى ذلك لضلّ وهلك في ضلاله، وقد ذكَّر الله تعالى عباده المؤمنين هذه النعمة التي هي نعمة الهدى ليشكروه فقال سبحانه: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ... الآية}[آل عمران: ١٠٣].
تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ... الآية}
  هذه الآية في المعنى كالآية السابقة، فمشيئة الإنسان محدودة، لا تستطيع الوصول إلى مشيئة الإيمان الصحيح، والعقائد الحقة، والعمل بشرائع الإسلام الموصلة إلى السعادة الأبدية في جنات النعيم، وإلى السلامة من العذاب الأليم، ولولا مشيئة الله تعالى لإرسال الرسل وإنزال الكتب لهداية الخلق إلى ذلك لحار الناس وضلّوا وهلكوا.
  فمشيئة الإنسان للهدى متوقفة على مشيئة الله لإرسال الرسل، وإنزال الكتب وبيان الدين والشرائع، فأهل مكة وأهل المدينة قبل أن يُبعث إليهم الرسول ÷ لم يكن لهم قوة ولا قدرة على مشيئة الإسلام والهدى، فلما شاء الله تعالى أن يرسل إليهم الرسول ÷، وينزل إليهم الهدى استطاعوا حينئذ أن يشاءوا الهدى والعمل بشرائع الإسلام.
تفسير قوله تعالى: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}
  هو: أن الله تعالى يحكم بضلال من يشاء ويحكم بهدى من يشاء، وهو جل وعلا لا يحكم بضلال المكلف إلا بعد أن يُبَيِّن له الحجة ويوضح له المحجة فإن أعرض بعد أن يستوضح ذلك ويتبينه ويستيقنه، حكم الله تعالى عليه حينئذ بأنه ضال هالك، وتماماً كما قال سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُون}[التوبة: ١١٥] , {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}[الأنفال: ٤٢].