الداعي للأشعرية إلى القول بالكلام النفسي والجواب عليهم
  ومما يحتجون به قولهم: اسم الفاعل لا يشتق إلا من المعنى القائم بنفس الفاعل فيقال: أسود لما حل فيه السواد، وأبيض لما حل فيه البياض، فكذلك متكلم لمن حل فيه الكلام.
  قلنا: ذلك خلاف المجمع عليه عند أهل اللسان العربي، وذلك أنهم لا يطلقون اسم الفاعل؛ كقائم، وقاعد، وضارب، ومتكلم إلا على من أحدث فعل القيام، وفعل القعود، وفعل الضرب، وفعل التكلم، وحينئذ فيكون صحة إطلاق اسم الفاعل متفرعة على حدوث الفعل الذي يشتق منه اسم الفاعل.
  وأيضاً: فإن المعلوم عندنا وعندهم أن الله سبحانه وتعالى يسمى خالقاً ورازقاً، والخلق والرزق غير قائم بذاته.
الداعي للأشعرية إلى القول بالكلام النفسي والجواب عليهم
  هذا، والذي يظهر لي والله أعلم أن الذي دعا الأشعرية إلى القول بالكلام النفسي وأنه صفة ذاتية للمتكلم هو ما قرره مشائخهم من قدم القرآن، فإنهم لما قالوا بذلك اضطروا إلى القول بأن كلام الله تعالى معنى قائم في النفس، وذلك أنه لم يتم لهم الاستدلال على قدم الحروف المسموعة، لظهور حدوثها عند العقلاء بضرورة عقولهم فألجِئوا حينئذ إلى القول بالكلام النفسي؛ وذلك للمحافظة على مذهب سلفهم، أما الحشوية لبلادتهم فقالوا: بقدم الحروف المتلوة.
  والجواب عليهم في هذا:
  ١ - أن القرآن مرتب ومركب من حروف وكلمات بعضها قبل بعض، فالآية مركبة من مجموعة كلمات، والكلمة مركبة من عدة حروف، فالكلمة التي تتقدمها كلمة قبلها محدثة، والحرف الذي سبقه حرف محدث، وهذا دليل ضروري.
  ٢ - قد سماه الله تعالى محدثاً في قوله جل وعلا: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ٢}[الأنبياء] وفي قوله سبحانه: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ٥}[الشعراء].