قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

بعض شبه المجبرة والرد عليها وإيضاح معاني الهدى

صفحة 105 - الجزء 1

  ولتحصين مذهبهم وحراسته أصّلوا في أصولهم إبطال حجة العقول، وحرموا التعويل عليها، وقالوا: إن العقول لا تميز بين الحسن والقبيح، ولا بين الفاسد والصحيح، ولا بين الحق والباطل، وما حصل من ذلك في العقول وعند العقلاء، فإنما يحصل بسبب الإلف والعادة.

بعض شبه المجبرة والرد عليها وإيضاح معاني الهدى

  ومما يستدلون به: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

  قالوا: المعنى أن الله لا يدلهم على الهدى، ولا يدخلهم فيه، ولا يدعوهم إليه.

  قلنا: المعلوم من ضرورة الدين أن الله تعالى قد دعا الكفار جميعاً وغيرهم إلى الإيمان به والتصديق برسله، وذلك بما أرسل إليهم من الرسل، وأنزل من الكتب، وقد قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}⁣[فصلت: ١٧].

  وقال سبحانه: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}⁣[فاطر: ٢٤]، وقال تعالى فيما يحكيه: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا ...} الآية [الملك ٨ - ٩] إلى غير ذلك من الآيات.

  وللهدى عدة معان يُستعمل فيها:

  ١ - الدعاء إلى الخير، وذلك في نحو: قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}⁣[فصلت: ١٧].

  ٢ - زيادة البصيرة، وذلك في نحو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً}⁣[محمد: ١٧]، ومثله قوله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً}⁣[الأنفال: ٢٩] أي بصيرة وتنويراً، وهذا الهدى الذي بمعنى زيادة البصيرة وتنوير القلب يجعله الحكيم تعالى ثواباً لأوليائه يتقاضونه في هذه الحياة الدنيا، ومثل ذلك ما يروى عن النبي ÷: «ألا إنه من زهد في الدنيا، وقصر فيها أمله، أعطاه الله علماً بغير تعلم، وهدى بغير هداية، ألا وإنه من رغب في الدنيا، وأطال فيها أمله، أعمى الله قلبه على قدر رغبته فيها».