الروح
  من دار غير هذه الدار: يجزى فيها المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
  وقال الإمام الهادي في البالغ المدرك: (فلما تصرمت أعمال المطيعين ولم يثابوا، وتقضت آجال العاصين ولم يعاقبوا، وجب على قود التوحيد واطراد الحكمة أن داراً بعد هذه الدار يثاب فيها المطيعون، ويعاقب فيها المسيؤون، وهذه أمور أوجبتها الفطرة، واستحقت بالإيمان ...) إلى آخر كلامه #.
  وكيفية الفناء هو أن يعدمه الله تعالى العدم المحض كأن لم يكن، وهذا قول جمهور أئمتنا $، وأبي علي، وأبي هاشم، وغيرهم.
  وقالت المجبرة: إن فناء العالم هو تمزقه وتغيره وتبدده لا غير.
  وقال بعض المتكلمين: إنه يستحيل فناء العالم.
  قلنا: ليس ذلك بمحال، فكما ابتدعه الله تعالى واخترعه كذلك يعيده نفياً محضاً كأن لم يكن، وكذهاب شعلة المصباح، وذهاب النور، وذهاب الظلام، وذهاب السحاب، وذهاب الرياح، وقد توصلت قُدَر البشر في هذا الزمان إلى صناعة السلاح الذري والنووي، وهذا السلاح الفتاك له قدرة على تفجير الذرات التي يتركب منها كل جسم، وبتفجير الذرات التي يتركب منها الجسم يعدم الجسم، وينتهي تماماً، ولا يبقى له وجود، وبهذا يتبين بطلان قول من يقول باستحالة الفناء المحض.
  ويدل أيضاً على ما قلنا قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ...}[الحديد: ٣]. والمعنى أن الله تعالى هو المتفرد بالأولية، فقد كان الله تعالى ولا شيء معه على الإطلاق، فكذلك يكون معنى الآخر، ولو كان الفناء بمعنى التبديد والتفريق لما صدق أنه تعالى الآخر، لأن الأجسام المتبددة تكون قد شاركته في هذه الصفة.
  قال أمير المؤمنين # في نهج البلاغة: (هُوَ الْمُفْنِي لَهَا بَعْدَ وُجُودِهَا حَتَّى يَصِيرَ مَوْجُودُهَا كَمَفْقُودِهَا، وَلَيْسَ فَنَاءُ الدُّنْيَا بَعْدَ ابْتِدَاعِهَا بِأَعْجَبَ مِنْ إِنْشَائِهَا