حكم العقل في الحسن والقبيح
  قلنا: لو كان الأمر كما ذكرتم لكان من لم يخطرها بباله دفعة واحدة غير عاقل لعدم حضورها في قلبه.
  وأيضاً فإن المعارف النظرية تحصل للمرء عن طريق النظر والتفكير، لا عن طريق العلوم العشرة.
حكم العقل في الحسن والقبيح
  لا خلاف أن العقل يحكم بحسن الشيء أو قبحه من حيث ملاءمة ذلك للطبع أو منافرته له، فيحكم بحسن المطعوم اللذيذ، ويحكم بقبح المطعوم الكريه، وهذا الحكم معناه: ميل الطبع إلى الشيء أو نفرته عنه.
  فهو في الحقيقة ليس من أحكام العقل، بل من أحكام الطبيعة، ومن هنا فإن الحيوانات تشارك الإنسان في إدراك ذلك.
  وكذلك لا خلاف أن العقل يحكم بحسن ما كان صفة كمال، وبقبح ما كان صفة نقص، فيحكم بحسن العلم والصدق والكرم والشجاعة وسائر مكارم الأخلاق، ويحكم بقبح الجهل والكذب والبخل والجبن وسائر مساوئ الأخلاق.
  وحكمه هنا بمعنى إدراكه أن هذه صفة نقص وتلك صفة كمال.
  ثم بعد ذلك اختلف الناس، فقالت العدلية: إن العقل يحكم لفاعل الحسن باستحقاق المدح والثواب عاجلاً و آجلاً.
  ويحكم على فاعل القبيح باستحقاق الذم والعقاب في العاجل والآجل.
  وقالت الأشعرية والحشوية: لا يدرك العقل في ذلك حسناً ولا قبحاً، إنما يعرف ذلك من جهة الشرع.
  قلنا في الرد عليهم: العقلاء جميعاً يستحسنون ويصوبون مَنْ مدح المحسن أو أحسن إليه، ومن ذم المسيء أو أساء إليه، من غير فرق بين ما تقادم عهده من ذلك وبين قريب العهد.
  وعلى هذا مضت سنة البشر في القديم والحديث، ولا يحتاج مثل هذا إلى إقامة دليل، ويكفي المكلف في معرفة ذلك أن يكون ذا سمع وبصر وسيجد تصديق ذلك فيما يسمع ويبصر من أخبار الناس وأخبار العالم، وكثيراً ما يسمع الناس في أجهزة الإعلام العالمية التقريظ والثناء لداعي السلام أو المخترع مع التكريم لهم