قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كيف يقع عذاب الأرواح ونعيمها؟

صفحة 280 - الجزء 1

  فإنّما هو في الآخرة، وكذلك النعيم للمؤمنين إنّما هو للأرواح، وفي ذلك ما جاء عن النبي ÷ من أن أرواح المؤمنين في حواصل طير خضر ... إلخ.

  أما نعيم المأكل والمنكح ولذة ذلك والتمتع به فإنما هو في الآخرة في جنات النعيم، ويدل على ما قلنا قوله تعالى في الشهداء: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ}⁣[آل عمران: ١٧١].

  ويشهد لما ذكرنا أنا نشاهد الأجساد في القبور هامدة جامدة لا حياة فيها.

  هذا، ولما كان آخر عهدنا بالميت حين دفنه في قبره أضيف العذاب إلى القبر، وكذلك النعيم، وفي الواقع أن العذاب والنعيم للأرواح في سجين أو في عليين.

كيف يقع عذاب الأرواح ونعيمها؟

  فإن قيل: كيف يقع عذاب الأرواح أو نعيمها والعذاب إنما يصح للأجساد؛ لأنها هي التي تحسس أو تتنعم، أما الأرواح فلا إحساس لها؟

  قلنا: يمكن أن العذاب الذي يلحق الأرواح هو من جنس المخاوف والأفزاع والضيق وما أشبه ذلك.

  وتماماً كما يلحق الروح التي ترى في المنام شيئاً من ذلك، وعلى هذا فتعرض أرواح المجرمين على نار جهنم فتشاهد ما هناك من شديد العذاب وأهوال الجحيم وعذاب المجرمين، وترى ما أعد الله للمجرمين والظالمين، فيدخلها عند ذلك من الخوف والفزع والهم والغم والضيق، ما لا يعلمه إلا الله.

  ويمكن أن يفسر على ذلك قوله تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ٤٦}⁣[غافر].

  ولا مانع من رجوع الروح إلى القبر لتعذب فيه.

  وقد شاهد كثير من الثقات، ورووا لنا عن ما شاهدوا من آثار العذاب، ومن نزوله على القبور، ومن سماع صياح المعذبين.

  وعلى الجملة فعذاب القبر مما لا شك فيه ولا خلاف عند أئمتنا $، ولا عند غيرهم، كما سمعت من كلام القاضي عبد الجبار، وإنما الخلاف في كيفيته. ووقته.