والله سميع بصير
  قلنا: السميع في لغة العرب موضوع لمن يصح أن يسمع بآلة السمع، والبصير لمن يصح أن يبصر بآلة البصر، وهذا هو المعنى الحقيقي لهذين الاسمين، ولا يصح تفسيرهما بهذا المعنى في حق الله تعالى؛ لأن الله تعالى ليس بذي آلة، ولا تحله الأعراض، فقولُكم في معنى ذلك: (حي لا آفة به) قولٌ خارج عن المعهود في لغة العرب، فلا يصح التفسير به.
  نعم، قول المعتزلة في معنى هذين الاسمين مبني على فلسفتهم في الصفات، فجعلوا الاسمين معلولين للحياة وناتجين عنها، كما قالوا في القادرية والعالمية إنهما ناتجان الذات أو عن الصفة الأخص في حق الله، وعن العلم والقدرة في حق المخلوق، وهذه الفلسفة باطلة كما تقدم، والذي تعرفه العقول أن الحياة شرط في الاتصاف بهذين الوصفين؛ فلا يكون السميع البصير إلا حياً.
  أما الحي فقد يكون سميعاً بصيراً وقد لا يكون، فلا يشترط في الحي أن يكون سميعاً بصيراً.
  ومبنى مذهب المعتزلة أن الحياة والسمع والبصر متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.
  ولو كان الحال كما يقولون لكان الأعمى والأصم بصيراً وسميعاً، فإن قالوا: إنما لم يكونا سميعين وبصيرين لوجود مانع لهما عن الإدراك وهو الآفة.
  قلنا: المانع لهما من الإدراك هو سلب المعنى الموجود في الحدق وصماخ الأذن، ومن هنا يتبين أن السمع والبصر ليس لوجود الحياة، وإنما هو لوجود المعنى في العين والأذن، وحينئذ فلا علاقة للحياة بهذين الوصفين إلا من حيث أنها شرط لا غير.