الكرسي
  وأما قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}[الحاقة: ١٧] فالعرش هنا الملك، ومعنى الآية: أن ثمانية أصناف من الملائكة سيتولون يوم القيامة، ويتحملون أمر ملك الله ﷻ من الحساب وغيره، يأمرهم الله تعالى بحساب المكلفين، وإيصال الكرامة والنعيم والثواب إلى أولياء الله تعالى، وإيصال العذاب والخزي إلى أعداء الله تعالى و ... إلخ.
الكرسي
  والكرسي المذكور في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}[البقرة: ٢٥٥] هو علم الله تعالى، وذلك أن الكرسي في أصل اللغة هو العلم، وقد لحظت العرب في لغتها هذا الأصل فقال أبو ذؤيب الهذلي:
  ولا تكرس علم الغيب مخلوق
  أي ما تعلم علم الغيب مخلوق.
  وقال غيره:
  تحف بهم بيض الوجوه وعصبة ... كراسي بالأحداث حين تنوب
  أي علماء بالأحداث.
  ومن هنا قيل للصحيفة التي فيها العلم: كُرَّاسة.
  وقيل: المراد بالكُرسيُّ ملك الله تعالى، وقيل: بل هو اقتداره، وقيل: تدبيره.
  وهذه الأقوال الأربعة مستقيمة في المعنى، وكل منها مناسب لسياق الآية، الذي هو سعةُ علمِ الله تعالى، وسعةُ ملكه، وإحاطةُ قدرتِه وتدبيرِه بالسموات والأرض.
  وقالت الحشوية: العرش سرير، والكُرسيُّ أصغر منه.
  والجواب: أنه لا يحتاج إلى ذلك إلا المخلوق؛ ليرفّه نفسه وينعمها بالجلوس والاستلقاء فوق ذلك، والله تعالى ليس بجسم، فلا يلحقه تعب ولا نصب، ومن هنا قال سبحانه في آخر آية الكرسي: {وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ٢٥٥}[البقرة].