مجموع كتب ورسائل الإمام الأعظم أمير المؤمنين زيد بن علي (ع)،

الإمام زيد بن علي (المتوفى: 122 هـ)

مقتل عثمان

صفحة 289 - الجزء 1


= بدمشق، فكان أبو ذر يقول: والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه ÷، والله إني لأرى حَقّاً يُطفأ، وباطلاً يُحيا، وصادقاً مُكَذْباً، وأثرة من غير تقى، وصالحاً مستأثراً عليه.

وكان أبو ذر يأتي كل يوم إلى باب الدار التي معاوية فيها ويصرخ قائلاً: أتتكم القطار تحمل النار، اللهم العن الآمرين بالمعروف التاركين له، اللهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين له، فأُدخِل على معاوية يوماً فقال له معاوية: يا عدو الله وعدو رسوله، تأتينا في كل يوم فتصنع ما تصنع، فقال له أبو ذر: ما أننا بعدو لله ولا لرسوله، بل أنت وأبوك عدوان لله ولرسوله، أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر، ولقد لعنك رسول الله ÷ ودعا عليك مرات ألا تشبع.

إلى قول ابن أبي الحديد: فكتب عثمان إلى معاوية: أن احمل جندباً إليّ على أغلظ مركب وأوعره، فوجه به مع من سار به الليل والنهار، وحمله على شارف (ناقة مسنة) ليس عليها إلا قتب، حتى قدم به المدينة، وقد سقط لحم فخذيه من الجهد.

قلت: وهذه المرة الثانية التي أخرج أبو ذر من الشام وأُرْجع إلى المدينة.

وكان من أمره مع عثمان أنه لما أعطى عثمان مروان بن الحكم وغيره من أقاربه الأموال واختصهم بها غضب الناس، وكان أبو ذر من أشدهم غضباً، فلما دخل على عثمان قال: أنت الذي فعلت وفعلت؟ قال أبو ذر: نصحتك فاستغششتني ونصحت صاحبك فاستغشني. قال عثمان: كذبت، ولكنك تريد الفتنة وتحبها قد أشعلت الشام علينا. قال له أبو ذر: اتبع سنة صاحبيك لا يكن لأحد عليك كلام. فقال عثمان: مالك وذلك لا أم لك؟! قال أبو ذر: والله ماوجدت لي عذراً إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فغضب عثمان وقال: أشيروا علي في هذا الشيخ الكذاب! إما أن أضربه أو أحبسه أو أقتله، فإنه قد فَرَّق جماعة من المسلمين، أو أنفيه من أرض الإسلام، فتكلم علي # - وكان حاضراً - فقال: أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون: {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ٢٨}⁣[غافر].

فأجابه عثمان بجواب غليظ، فأجابه علي # بجواب مثله.

ثم حَظَرعثمان على الناس أن يقاعدوا أبا ذر ويكلموه، فمكث كذلك أياماً ثم أتي به فوقف بين يديه فقال أبو ذر: ويحك يا عثمان! أما رأيت رسول اللّه ÷ ورأيت أبا بكر وعمر هل هديك كهديهم. أما إنك لتبطش بي بطش جبار. فقال عثمان: اخرج عنا من بلادنا. =