قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

تفسير لا حول ولا قوة إلا بالله

صفحة 101 - الجزء 1

تفسير لا حول ولا قوة إلا بالله

  قد تقول المجبرة إن في هذه الكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله) ما يدل على مذهب الجبر، وفي الواقع أنه لا دليل فيها على مذهبهم الخبيث.

  والمعنى فيها: أن القوة لله جميعاً، ليس للإنسان قوة ولا حول ولا قدرة، فقدرة الإنسان وقوته من الله، فهو تعالى الواهب لذلك، والخالق له، وهو تعالى الذي يمكن عباده من مزاولة الأعمال، وفعل ما يريدون، فسهل لهم فعل ذلك، ويسره، ومكنهم من الوصول إليه، بما أعطاهم من آلة المشي التي هي الرجلان، وآلة الفعل التي هي اليدان، ومهد لهم الأرض ليسيروا عليها، ويتقلبوا عليها، وجعلها فجاجاً سبلاً، وسخر لهم أسباب المعيشة، فَدحى تعالى الأرض بالتراب، وسخر لهم السحاب والأمطار، وإنبات الأرض، وإخراج الثمرات والحبوب، وسخر لهم الرياح، وسخر لهم الشمس والقمر لإصلاح الثمر و ... إلخ، وكل ذلك ليس لهم فيه حول ولا قوة.

  وأرسل إليهم الرسل، وأنزل الكتب، وأعطاهم العقول التي تميز بين الحق والباطل، وبين الشكر والكفر، وبين الطيبات والخبائث و ... إلخ.

  فالإنسان لا حول له ولا قوة في ترك المعاصي، ولولا قوة الله وحوله بما أعطا الإنسان من العقل، ثم بإرسال الرسل، وإنزال الكتب المشتملة على تفصيل الطيبات والخبائث والفواحش، وعلى العبر والأمثال، والوعد، والوعيد، والثواب، والنكال، والنعيم، والجحيم ... إلخ، لاسترسل الإنسان في ما تشتهي نفسه، لا يرده عن ذلك رادّ، ولا تحجزه من نفسه قوة، ولا يقف عند حد، ولا ... إلخ، وكان كسائر الحيوانات، وتماماً كما قال سبحانه: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ ... الآية}⁣[النساء: ٨٣]، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً ...} الآية [النور: ٢١].