نظرة عامة في مذهب المجبرة
  وقد أخبر الله تعالى على سبيل الحصر والقصر عما ذكرنا في قوله تعالى في سورة البقرة: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ٢٦ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ}[البقرة: ٢٦ - ٢٧]، فأخبر تعالى أن الضلال محصور ومقصور على الفاسق المتجاوز للحدود الذي ينقض عهد الله من بعد أن التزمه.
تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}
  لو يشاء الله تعالى أن يكره الناس على الدخول في الهدى إكراهاً، ويضطرهم إليه اضطراراً لأدخلهم فيه أجمعين، حتى لا يبقى من الناس أحد إلا كان مهتدياً.
  ولكنه تعالى يريد من عباده أن يكونوا مختارين، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، فمن دخل في الهدى والإيمان باختياره ومشيئته من غير أن يكون مكرها استحق الثواب والتعظيم في جنات النعيم، ومن أعرض عن الهدى، واختار الكفر - بعد أن يتبين له الهدى - استحق العذاب والخزي في نار جهنم.
نظرة عامة في مذهب المجبرة
  من أجل زيادة البيان والإيضاح لبطلان مذهب المجبرة، ومنافاته لدين الإسلام وشرائعه وكتابه نقول: إن مذهب المجبرة يبتني على قواعد، كل قاعدة منها تستهدف الإطاحة بجانب من دين الإسلام، وهذا بيان ذلك:
  ١ - الدعوة إلى ارتكاب الجرائم والكبائر والعظائم.
  يتمثل ذلك في ما يروونه من الحديث المشهور عندهم الذي صار من الأصول المسلّمة، وذلك الحديث هو: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق ... (١)، والحديث: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي(٢)، ثم قولهم في أصول عقيدتهم: إن الخلود في النار خاص بالكافرين.
(١) معجم الشيوخ الكبير للذهبي (٢/ ٩٣)، ثم قال: وهذا صالح الإسناد ثابت الأصل أخرجه البخاري ومسلم.
(٢) معجم الشيوخ للسبكي (١/ ٣١٤) وقال: أخرجه الترمذي في الزهد.