قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

القدرية ومن هم

صفحة 121 - الجزء 1

  وقالت المجبرة بجميع فرقها: إن المراد بذلك هم الذين يقولون: إن أفعال العباد تحصل بإراداتهم ومشيئاتهم، وإنهم هم الذين يفعلونها، ويحدثونها دون الباري ø، وهؤلاء هم العدلية.

  فتراجمت طوائف المسلمين بذلك الوصف، كل طائفة تتبرأ منه وترمي به خصومها، وكل منهم مصر على ما يقول.

  احتجت العدلية على قولها بأن اسم القدرية الذي جاء في الأحاديث منسوب إلى القدر بياء النسب، والمجبرة يكثرون من ذكر القدر ويلهجون به؛ فكانوا أحق بهذه النسبة، وذلك أن من لهج بذكر شيء نسب إليه، كما يقال: أموري لمن يذكر أن الصفات أمور زائدة على الذات، وطَبَعِي لمن أكثر من ذكر الطبع.

  وأيضاً فإن المجبرة يثبتون القدر؛ فكانوا أحق باسم القدرية ممن ينفيه.

  والعدلية لا يكثرون من ذكر القدر، ولا يثبتونه، بل ينفونه، فلا يصح تسميتهم لذلك قدرية.

  وقد احتجت المجبرة على أن العدلية هم القدرية بكونهم ينفون القدر، وبكونهم يثبتون للعبد قدرة، فكانوا لذلك قدرية.

  والجواب: أن النسبة إنما تكون من الإثبات لا من النفي، وإلا لصح أن نسمي الموحد ثنوياً؛ لأنه ينفي الثاني مع الله، وأن نسمي المشرك حنفياً مسلماً؛ لأنه ينفي الحنيفية والإسلام، و ... إلخ.

  والنسبة إلى قدرة العبد التي يثبتها العدلية قُدري بضم القاف، فلفظ القدرية الذي جاءت به الرواية منسوب إلى القَدر بفتح القاف، فالقُدرة والقَدر اسمان مختلفان.

  هذه هي حجة المجبرة على قولهم، وهي كما ترى أبعد من أن تكون شبهة، غير أن سلاطين بني أمية قد قوموها بسيوفهم، ومكنّوا لها بسلطانهم، فكانوا يحكمون بقتل من أظهر مذهب العدل بحجة أنه قدري، وقد روى الحاكم في السفينة عن يونس أنه قال: (كان اسم القدر اسماً لنا فنبزنا به المعتزلة، وأعاننا