القدرية ومن هم
  وبعد، فلا دلالة فيما ذكروا على ما يدعون، وذلك أن الحديث الذي رواه جابر يتحدث عما يصيب الإنسان أو يخطئه، لا عن ما يفعله الإنسان فليس له في الحديث ذكر.
  ومعنى الحديث: وجوب الإيمان بأن ما ينزل بالإنسان من المكاره والمضار والبلاوي صادرة عن قضاء الله سبحانه وتعالى، لا حيلة له في دفعها، وأن ما أخطأه من المنافع في الدنيا صادر أيضاً عن قضاء من الله تعالى، أما المعاصي والطاعات فلا تصيب الإنسان، بل الإنسان هو الذي يصيبها ويفعلها.
  يزيد ما ذكرنا وضوحاً أن الطاعات والمعاصي لا تسمى مصائب في حق فاعلها، وأن المشروع الفرح بفعل الطاعات، والندم والحسرة على فعل المعاصي.
  بخلاف ما يصيب الإنسان من المضار، أو يفوته من المنافع، فإنه لا يشرع الأسى والحزن بسبب ما نزل من البلاء، وعلى ما فات من المنافع، ولا يحسن الفرح بما نال الإنسان من المنافع، وكل ذلك لقوله تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}[الحديد: ٢٣].
  وللإجماع على وجوب الرضا بما قضاه الله تعالى وقدّره، وفي الحديث «من لم يرض بقضائي ويصبر على بلائي، ويشكر نعمائي، فليتخذ ربّاً سواي».
  ومما لا خلاف فيه أنه لا يجوز الرضا بالمعاصي والقبائح والفواحش.
القدرية ومن هم
  صح عن النبي ÷ أنه قال: «القدرية مجوس هذه الأمة»، ولا خلاف بين الأمة في صحته، غير أنهم بعد الاتفاق على صحته قد اختلفوا فيمن هو المقصود بذلك الاسم الذميم.
  فقالت العدلية جميعاً: إن الذين أرادهم النبي ÷ بذلك الوصف هم الذين يقولون: إن جميع أفعال العباد خيرِها وشرِها إنما حصلت بقضاء الله تعالى وقدره وإرادته ومشيئته وخلقه، وهم المجبرة.