قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الحكمة في خلق المكلفين

صفحة 124 - الجزء 1

  وأما خلق الله تعالى لسائر المخلوقات التي لا تعقل فتشترك كلها تقريباً في شيئين اثنين هما:

  ١ - انتفاع المكلفين بها في شؤون حياتهم؛ لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ ... الآية}⁣[البقرة: ٢٩].

  ٢ - إظهار عظمة الخالق وحكمته، وآيات علمه وقدرته.

  وهناك أسرار من الحكم والمصالح مبثوثة في المخلوقات، منها ما هو ظاهر الحكمة، ومنها ما فيه شيء من الخفاء.

  والواجب أن يعتقد المكلف أن في خلق كل شيء من المخلوقات حكمة وإن لم يظهر له وجهها، وذلك لما ثبت من أن الله تعالى عليم حكيم، والعليم الحكيم لا يفعل ما لا حكمة في فعله.

  وقالت المجبرة: بل خلق الله تعالى بعض المكلفين ليدخلهم الجنة، وخلق البعض الآخر ليدخله النار، واستدلوا بقوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْس}⁣[الأعراف: ١٧٩].

  والجواب: هو ما قدمنا من قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦}⁣[الذاريات] أي: ليطيعوني ويعبدوني.

  ثم إن إلزام الله تعالى المكلفين بالعبادة والطاعة في كتبه المنزلة، وعلى ألسنة رسله وحملة العلم دليل على بطلان قول المجبرة.

  واللام في الآية التي يستدلون بها على ما ذهبوا إليه تسمى لام العاقبة، وهي كاللام التي في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً}⁣[القصص: ٨].

  والأولى أن تكون اللام على أصلها للتعليل، ويكون المراد بالذرء هو الذرء الثاني، وبهذا فسر الآية الإمامان القاسم والهادي @ والذرء الثاني هو الذرء في القبور، وبهذا التفسير يلتئم شمل آيات القرآن، وتسلم آياته من التناقض