قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

تكليف ما لا يطاق

صفحة 142 - الجزء 1

  لذلك فإنا نقول: إن الله سبحانه وتعالى لم يكلف أحداً من خلقه إلا ما يطاق، وهذا مع ما تقرر في فطر العقول من قبح تكليف ما لا يطاق، ونكارته، وفحشه.

  وقالت الأشعرية: إن التكاليف بأسرها من تكليف ما لا يطاق، صرح بذلك الرازي في المحصول، وقد كانت المجبرة قديماً يتحاشون عن ذكر ذلك حتى جاء أبو الحسن الأشعري، ومما استدل به أبو الحسن الأشعري على القول بتكليف ما لا يطاق أن قال: إن الله تعالى كلف أبا جهل بالإيمان بما جاء به النبي ÷ مع أن من جملة ما جاء به النبي ÷ أن أبا جهل لا يؤمن حتى يموت، فيكون أبو جهل حينئذ مكلفاً بالإيمان في حال يجب عليه فيها أن يؤمن بأنه سيقيم على كفره حتى الموت، وهذا لا يمكن لأبي جهل، وليس في قدرته أن يمتثل.

  ويستدلون أيضاً بأن الله تعالى كلف عباده بفعل التكاليف مع أنهم غير متمكنين من فعلها؛ لعدم القدرة والاستطاعة؛ لأن الله تعالى هو الذي خلق وقدر وأراد أفعالهم، فلا يقدرون حينئذ على الخروج مما خلقه الله وقدره وأراده.

  والجواب: أن الله تعالى ينفي عن نفسه تكليف الخلق ما لا يطاق، ويتبرأ منه كما في الآيات التي صدرنا بها هذا الباب، وهذا مع ما تقرره العقول من قبح ذلك وفحشه الذي لا ينبغي إلحاقه بالملك القدوس سبحانه وتعالى، فمع هذا لا ينبغي ولا يليق سماع قول من يجادل في ذلك ويحاجج، فهذا جواب إجمالي فيه كفاية للمؤمن المصدق.

  وأما الجواب التفصيلي فنقول: لا يلزم مما ذكره أبو الحسن الأشعري في تكليف أبي جهل التكليف بما لا يطاق، وذلك أنه لم يذكر أبو جهل في القرآن، والذي ذكر في القرآن هو أبو لهب، والذي ذكره الله تعالى عنه هو قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ١ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ٢ سيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ ٣ ...}⁣[المسد] وليس في ذلك أنه لا يؤمن، أو أنه كافر، أو أنه سيموت على الكفر، والذي ذكره الله عنه أنه سيصلى ناراً ذات لهب، ومعرفة أنه سيصلى