المعجزة
  وجعل سبحانه معجزة موسى ~ قلب العصا حية، وإخراج يده بيضاء من غير سوء؛ لما كان القوم الذين بعث إليهم يتعاطون السحر، ويشتغلون به، وقد كانوا عرفوا السحر حق معرفته، وهكذا سائر معجزات الأنبياء À.
  ومن هنا فإن سحرة فرعون لما رأوا عصى موسى حين صارت حية تسعى تلقف ما صنعوا آمنوا برب العالمين، رب موسى وهارون، وذلك أنهم عرفوا وتيقنوا أن ما جاء به موسى ليس من السحر، وإنما هو آية من آيات الله التي لا تدخل صناعتها تحت قدرة البشر، ولو أن الله تعالى عكس فجعل آية موسى لعيسى، وآية عيسى لموسى لما استوضحت نبوتهما ª غاية الوضوح، ولجوز الناس أن ذلك من جنس السحر، لا من آيات الله، لذلك فإن قريشاً والعرب لما سمعوا آيات القرآن علموا أنه ليس من كلام النبي ÷، ولا من كلام البشر، وأنهم لا يقدرون على أن يأتوا بمثله، غير أنهم استكبروا، وكذبوا بالقرآن وبالنبي ÷، وأنكروا ذلك، وتماماً كما قال جل وعلى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً}[النمل: ١٤] فحين أصروا على التكذيب قال الله تعالى لنبيه ÷: {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ}[يونس: ٣٨]، {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٢٣}[البقرة] يعني إن كنتم صادقين في دعواكم كذب النبي ÷، وكذب القرآن، وأنه ليس من كلام الله تعالى، وإنما هو من كلام الناس، فهاتوا سورة واحدة من مثل سوره، وتعاونوا مع من استطعتم من الجن والإنس، فإذا جئتم بسورة من مثله فأنتم صادقون فيما تقولون وإلا فأنتم كاذبون ومبطلون، وما زال هذا التحدي والنداء إلى اليوم، ومنذ نزول القرآن لم يستطع أعداء الإسلام والمكذبون به أن يأتوا بسورة واحدة تماثل إحدى سور القرآن في البلاغة والبيان.