قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الأنفة والترفع داء عياء يقود إلى عذاب الآخرة

صفحة 212 - الجزء 1

  فالعاقل اللبيب يختار بلا شك طاعة الرحمن، ويرفض عن قناعة طاعة الشيطان.

  ولو أن الناس نظروا مثل هذا النظر، وفتحوا عيون أفئدتهم إلى حسن الاختيار، لما عدلوا عن طاعة الله تعالى، غير أن أكثر الناس كما ذكر الله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ١٧١}⁣[البقرة] وكم كرر الله تعالى في الحكاية عن الكثرة الكاثرة من الناس بأنهم لا يعقلون، ولا يعلمون، ولا يبصرون، ونحو ذلك؟

الأنفة والترفع داء عياء يقود إلى عذاب الآخرة

  وليذكر الإنسان أن الأنفة والترفع هو الذي أخرج الشيطان من الجنة مذموماً مدحوراً، واستوجب بسبب ذلك أن يقول له الرحمن تعالى: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ٧٧ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ٧٨}⁣[ص] وأن الأنفة هي الداء العياء التي دعت الأمم السابقة إلى تكذيب الرسل، والكفر بالله وبآياته، ثم جرت عليهم ويلات الدنيا وعذاب الآخرة.

  قال الله تعالى فيما حكى عن المكذبين للرسل سلام الله عليهم: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ١١١}⁣[الشعراء]، {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ١٤}⁣[النمل]. {مَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ٢٧}⁣[هود].

  وبعد، لو عرف الإنسان قدر نفسه لأعرض عن تلك الوساوس الشيطانية، واشتغل عنها بما يهمه، ومن هنا جاء في الأثر: «من عرف قدر نفسه لم يهلك»، وذلك أن الذي قد عرف نفسه قد استقر في قرارة نفسه واستحكم العلم في قلبه: أن الأمر كله لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ٢٣}⁣[الأنبياء] {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}⁣[القصص: ٦٨] {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ٢٩}⁣[الحديد] {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ..}⁣[البقرة: ١٠٥].