المنزلة بين المنزلتين
  وقوله تعالى: {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}[الكهف: ٤٩].
  قالت الناصرية، وهو ظاهر كلام الهادي، وصريح كلام المرتضى والبغدادية: كل عمد كبيرة.
  فالصغيرة عندهم حينئذ هي: ما صدر عن سهو أو إكراه أو تأويل أو نحو ذلك.
  وقالت البصرية من المعتزلة، ونسبه في الفصول إلى أئمتنا $: بل بعض العمد ليس بكبيرة، والصغائر غير متعينة؛ لأن تعيينها يكون كالإغراء بفعلها، وذلك لا يجوز؛ لأن الإغراء بالقبيح قبيح.
  استدل أهل القول الأول: إن كل عمد كبيرة: بقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ٢٣}[الجن] ولم يفصل تعالى بين عصيان وعصيان، بل عمم في الوعيد بالخلود في نار جهنم كل عاص.
  ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ١٤}[النساء].
  فعمم سبحانه الوعيد بالخلود لكل عاص، ولم يخص من ذلك العموم إلا الخطأ والنسيان ونحوهما في قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: ٢٨٦].
  وقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب: ٥].
  ومن السنة قوله ÷: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
  وخص المضطر بقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٣}[المائدة].
  ويستدل من قال إن بعض العمد ليس بكبيرة بقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود: ١١٤]، وبقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء: ٣١].