قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

خطايا الأنبياء À

صفحة 243 - الجزء 1

  وقد حكى الله في سورة الأعراف: أن آدم وحواء لم يعرفا أنهما قد عصيا الله تعالى إلا بعد أن أكلا من الشجرة، وذلك في قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ...}⁣[الأعراف: ٢٢].

  وذلك أنهما إنما أكلا من الشجرة رغبة في التقرب من الله، والزلفى لديه، فإنهما اغترا بقول الشيطان: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ٢٠ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ٢١}⁣[الأعراف].

  وحكى الله تعالى عن معصية يونس فقال سبحانه: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْه .... الآية}⁣[الأنبياء: ٨٧]، أي: فظن أن لن نضيق عليه أي نؤاخذه، فما أقدم # على المعصية إلا ظاناً أن الله تعالى لن يؤاخذه.

  وخطيئة داوود # في شأن امرأة أوريا لم تكن إلا حديث نفس، لم يتبعه نية ولا عزم ولا فعل، وذلك أنه حين رآها تمناها في نفسه أن تكون من أزواجه، ولم يكن منه غير ذلك، كما حكاه الهادي # وغيره، واعتقد داوود # أن الله لا يؤاخذه بذلك.

  وقال قوم من المتكلمين: إن خطايا الأنبياء كانت عمداً، وإنما حكم عليها بالصغر لكثرة ثوابهم.

  قلنا: كثرة الثواب لا تأثير لها في جعل المعصية صغيرة؛ بدليل قول الله تعالى في حق نبينا محمد ÷: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ٧٤ إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ٧٥}⁣[الإسراء].

  فدلت هذه الآية أن الركون القليل إلى المشركين يبطل الثواب الكثير ويحبطه.

  أما أخوة يوسف فمعصيتهم من صريح العمد غير أنهم ليسوا بأنبياء، ولا دليل على نبوتهم.

  وأما قوله تعالى: {وَالْأَسْبَاط}. فالمراد بهم ذراري أولاد يعقوب؛ لأن السبط هو الحفيد وولد الولد.