قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

التوبة من ذنب دون ذنب

صفحة 258 - الجزء 1

  وكل هذه التفاسير محتملة، ولا سبيل إلى الجزم والقطع بواحد منها، والقول الأول هو الأولى؛ لسعة رحمة الله وفضله، وتؤيده ظواهر من القرآن كقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ٨}⁣[الزلزلة].

  وقوله تعالى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ..}⁣[آل عمران: ١٩٥] ونحو ذلك وفي الحديث: «أسلمت على ما أسلفت من خير» أو كما قال.

  ومن جهة النظر فيلزم - لو لم نقل كذلك - أن يتساوى من عصى الله طول عمره ثم تاب، ومن أطاع الله مدة عمره ثم عصاه معصية كبيرة وتاب منها.

  وبعد، فإن العفو والمغفرة تقتضي عدم المؤاخذة بالذنب، ومحو الحسنات وعدم ردها يتنافى مع ذلك شيئاً من التنافي.

التوبة من ذنب دون ذنب

  ولا تصح التوبة ولا تتم النجاة بها إلا إذا كانت عامة لجميع الذنوب، وإذا تاب العاصي من معصية معينة دون غيرها، فالصحيح أنه لا يسقط عنه عقابها، ولا تقبل توبته منها، وقال بعض المتكلمين: إنها تصح التوبة من ذنب دون ذنب.

  والجواب: أن التوبة هي الندم من ارتكاب جريمة العصيان لله تعالى، فالتائب من ذنب دون ذنب فيه دلالة على أنه غير مبال بعصيان الله تعالى لإقامته على الإصرار على بعض الذنوب.

  وحينئذ فلا تتم التوبة لفقد شرط من شروطها.

  وأيضاً فإنا نجد في الشاهد أن الاعتذار من إساءة دون إساءة غير مقبول، وصاحبه ملوم غير معذور، وأنه في الحكم كمن لم يعتذر، وقد قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ٢٧}⁣[المائدة].

  والمصر على بعض الكبائر غير متق، فلا تقبل توبته من بعض، وهذا مع أن ظواهر الآيات الواردة في التوبة تدل بظاهرها على عموم التوبة، كقوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ٨٢}⁣[طه].