قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

في خلود الفساق في نار جهنم

صفحة 267 - الجزء 1

  عن العدل الإلهي الذي تمدح الله تعالى به في نحو قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ٤٠}⁣[النساء].

  ونقول في الجواب على ذلك: إن الفاسق الذي يصر على فسقه ولا يتوب إلى ربه حتى يموت، يستحق الخلود في النار استحقاقاً، وخلوده في العذاب الأليم من واضح العدل وظاهره، يدل على ذلك وجوه من الأدلة:

  ١ - أن الذي يصر على قتل الأطفال بعد فاحشة اللواط مثلاً، أو يتقطع في طريق المسلمين فيأخذ أموالهم، ويسفك دماءهم، أو يسعى بالفساد بين المؤمنين المتآلفين حتى يقع بسبب فساده قتل كثير من الرجال والنساء والأطفال، ويقع الخراب والدمار، و ... إلخ ثم يرتاح لذلك، ويصر على فعل ذلك، وإذا ذكر بالله لا يذكر، وإذا خوف بالله لا يخاف، وإذا وعظ لا يتعظ، بل لا يزيده ذلك إلا تمادياً في الفسوق والعصيان، ثم يموت على ذلك.

  فإن مثل ذلك لا تمحو جريمته مرور عشرات الأعوام ومئاتها في نار جهنم، ولا يخرجه ذلك من دائرة الإجرام عند العقل، فلا يزال الفاسق المجرم وإن مرت عليه الأعوام في نار جهنم هو ذلك المجرم.

  ٢ - قد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم عن مدى إصرارهم على الفسوق والعصيان وارتكاب الجرائم الموبقة والفواحش فقال سبحانه: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ٢٨ ...}⁣[الأنعام] فاقتضى ذلك أن من كان بهذه المنزلة أن يؤبد في السجن الإلهي، وبذلك تقضي العقول من غير تردد، وعلى ذلك جرت محاكم العدل الدنيوية.

  ٣ - لا يجوز في العقل أن يخرج الله تعالى الفاسق من النار، ثم يدخله الجنة، وذلك أن الفاسق يبارز الله تعالى بالمعاصي و ... إلخ. لذلك فإنه لا يستحق التعظيم والتكريم في الجنة.

  ألا ترى لو أن رجلاً قتل أحد أبناء رجل آخر، ولم يعتذر من ذلك، بل أصر على قتل سائر أولاده، ثم سجن لذلك عشرين سنة أو أكثر، وما زال مصراً على