قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

صفات المؤثر في حدوث العالم وما فيه

صفحة 29 - الجزء 1

  هذا، وإطلاق الصفة على هذين المعنيين إنما هو على اصطلاح المعتزلة، حيث قالوا: إن معنى الصفة في الخالق والمخلوق هو خصوصية لا تستقل بالمعلومية، زائدة على الذات، ليست هي الذات ولا غيرها، وقد سبق الجواب عليهم.

صفات المؤثر في حدوث العالم وما فيه

  فيما تقدم أثبتنا بالتدليل حدوث السموات والأرض، واتبعنا ذلك بذكر حوادث ضرورية الحدوث بالحس والمشاهدة، وبناء على ذلك فلا بد أن يكون المحدث لتلك الحوادث موجوداً، قادراً، عليماً، حياً، ولا يحتاج الناظر في العلم بهذه الصفات الأربع إلى نظر جديد، بل يكفي في حصول العلم بها النظر الأول؛ وذلك أن الناظر إذا صح عنده أن العالم وما فيه من المخلوقات محدثات، وأنه لا بد لها من محدث مختار، علم بالضرورة أن المحدِث موجودٌ، قادر، حي؛ لأن المعدوم، والعاجز، والميت لا يصح منهم الفعل على الإطلاق، وعلم أيضاً أنه عالم لأن الجاهل لا يصح منه الإتقان والإبداع، ويظهر للناظر سعة علم الله وإحاطته، وينكشف ذلك عند النظر في عوالم المخلوقات الحية، فالذرة والنملة لكل منهما سمع، وبصر، وجهاز هضم، ودورة دموية، وجهاز تناسل، وإلى آخر ما في سائر الحيوانات من أجهزة، مع ما لها من الإدراك والإلهام، لذا تراها تحيد عما يضرها ويؤذيها، وتسعى إلى رزقها، ولها مساكن تأوي إليها، فتراها قبل نزول المطر تسعى إلى بيوتها تستكن فيها من المطر، فلو غاب علم الله ø عن مخلوقاته لضاعت وهلكت، فعلمنا حينئذ أن علم الله تعالى محيط بكل شيء، فيخترق الأستار، وينفذ فيما وراء الحجب، ويتغلغل إلى باطن الذرة والنملة، فيشغِّل القلب والدورة الدموية والجهاز الهضمي، وينشر في أعضائها نعمته، ويمسك في أبدانها الروح والنفس ويحفظها في بيوتها، ومن هنا قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}⁣[هود: ٦].

  ولا بد أن يكون المحدث للعالم وما فيه قديماً.