الصحف
  فأين ستحشر الخلائق، وهذا مع أنها رواية غير موثوق بها، مع مخالفتها لما تقتضيه حكمة الله وسنته، فقد قال الله تعالى في ذكر حكمته وسنته في خلق مخلوقاته: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ٤٩}[القمر] {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ٣}[الإنسان] {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ٢}[الفرقان] {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ١٩}[الحجر]. {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ٢١}[الحجر] {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ٢٣}[المرسلات]. إلى غير ذلك من الآيات التي تتحدث عن سنة الله وحكمته في خلق ما يخلق.
الصحف
  قال تعالى: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ١٠}[التكوير] يمكن تفسير ذلك بتفسيرين:
  ١ - أن يكون ذلك من قبيل الكنايات، وعلى هذا فهو عبارة عن علم المكلف بكل ما عمل من صغير وكبير، ويمكن الاحتجاج على ذلك، بأنه لا يحتاج إلى التسجيل إلا الذي ينسى وهو المخلوق، أما الخالق سبحانه فلا يضل ولا ينسى.
  فإن قيل: إن المكلف قد ينسى والصحف تذكره.
  قلنا: يخلق الله تعالى له التذكر، فيذكر كل ما عمل، فإن جحد كما كان في الدنيا، شهد عليه سمعه وبصره وجلده ويداه ورجلاه.
  ٢ - أن يكون نشر الصحف حقيقة، ولا مانع من إجرائها على حقيقتها، وبإمكان أهل هذا القول أن يقولوا: لا وجه للعدول عن الظاهر مع إمكانه.
  ووجه الحكمة في ذلك هي: اللطف للمكلفين في الدنيا، فإنهم إذا علموا أن عليهم حافظين من الملائكة الكرام، يكتبون عليهم كل صغير، وكل كبير، وأن الكلام والأعمال في صحف، وأنها ستنشر يوم القيامة، ويحاسبهم الله تعالى عليها، فإن ذلك سيدعوهم إلى ترك صغائر السيئات وكبائرها، ويدعوهم إلى اكتساب الأعمال الصالحة صغائرها وكبائرها.