قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الزوجة

صفحة 295 - الجزء 1

  خلقه، وأوجده، وأراده وشاءه، وأن العبد بريءٌ من ذلك، ليس له في حدوثه وخلقه فعل ولا إرادة ولا مشيئة، وعلى ذلك فسروا قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ٤٩}⁣[القمر] ... وما جاء في الحديث: «... أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأن يؤمن بالقدر خيره وشره من الله ...». فجعلوا القدر الذي فسروه بما ذكرنا أحد أصول الإيمان وأحد أركانه، فمن لم يعتقد ذلك الاعتقاد، فليس بمؤمن عندهم، وجزاؤه القتل كالمرتد، وممن قتل من المشاهير على ذلك في التاريخ الجعد بن درهم، قتله أحد ولاة بني أمية على العراق، في يوم عيد الأضحى، بعد خطبة العيد، قال ذلك الوالي في آخر الخطبة: من كان عنده فضل فليضح، فإني مضح بالجعد بن درهم، فنزل وذبحه تحت المنبر.

  وتُسمي المجبرة من لم يعتقد مثل عقيدتهم (قدرياً).

  ونحن نقول: الإيمان بالقدر واجب، لأنه جاء في القرآن، والإيمان بكل ما جاء فيه واجب، وكذلك يجب الإيمان بما صح وثبت عن النبي ÷، قال تعالى: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ٣}⁣[الأعلى]، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ٤٩}⁣[القمر] , {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ٢}⁣[الفرقان]، {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ}⁣[المؤمنون: ١٨]، {إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ ٢٢ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ٢٣}⁣[المرسلات]، {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٩٦}⁣[الأنعام] إلى غير ذلك من الآيات التي جاء فيها ذكر القدر والتقدير ومشتقاتهما.

  غير أن المجبرة ضلت في تفسير القدر ضلالاً بعيداً، والتفسير الواضح للقدر في قوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ٢}⁣[الفرقان] هو أن الله تعالى قدر خلق المخلوقات تقديراً على حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة، فقدر مقادير الأعضاء في الإنسان من حيث الكبر والصغر والصلابة والرطوبة والعدد، ومكان كل عضو، على حسب ما تدعو إليه المصلحة والحاجة.

  والذي ينظر بعين البصيرة في الآيات التي جاء فيها ذكر القدر والتقدير ومشتقاتهما يعلم صحة ما ذكرنا.