وقوع الاختلاف في الدين
  وأيضاً فإنا نناقشهم في قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر: ٤٩] الباء في قوله تعالى: بقدر.
  إما أن تكون للاستعانة كالباء في كتبت بالقلم، وقطعت العود بالفأس، وعلى ذلك فيكون القَدر آلة يستعين بها الخالق جل وعلا على خلق ما يريد.
  وهذا المعنى لا يقوله أحد من علماء المسلمين فيما نعلم {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٨٢}[يس]، ولفظ كن في هذه الآية إنما هو كناية عن سرعة التكوين، وإلا فلا لفظ ولا أمر، وقد قال قوم من المتكلمين: إن الله تعالى يخلق المخلوقات بلفظ كن، وهذا المذهب ناتج عن غباوة شديدة بأسرار لغة العرب.
  وإما أن تكون الباء للمصاحبة كالباء في {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ}[المؤمنون: ٢٠] أي: مصاحبة للدهن، وهذا المعنى هو الذي نقوله وندعيه، فإن الله تعالى خلق كل شيء على حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة والحاجة.
  ولا تحتمل الباء شيئاً من المعاني للباء في اللغة سوى هذين الاحتمالين اللذين ذكرناهما في هذه الآية.
خاتمة
وقوع الاختلاف في الدين
  اعلم أنه قد كثر الاختلاف في الدين وتفرقت المذاهب، وليس الكل بمصيب، وذلك أن المعلوم أن النبي ÷ لم يأت إلا بشريعة واحدة، ودين واحد، وعقيدة واحدة، وليست السلامة من الهلاك والخسارة إلا لمن أصاب الحق الذي جاء به النبي ÷، وسلك الطريق المستقيم.
  وقد قال النبي ÷ في الحديث المشهور: «ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة ....» وكل فرقة من جميع فرق الأمة تدعي أنها الناجية، وأن ما سواها من الفرق ضال هالك.