معنى قول المسلمين: إن الله بكل مكان
  فإن قيل: الأوامر والنواهي والرحمة والعذاب تنزل من السماء مما يدل على ما تقدم من الحلول في جهة فوق.
  قلنا: لما كانت السماء مسكناً للملائكة À وهم المُصْطَفَوْن لتبليغ رسالات الله تعالى إلى البشر نزلت الأوامر والنواهي من هناك.
  ونزول الرحمة والعذاب من السماء إنما كان كذلك لما فطر الله تعالى الجهات العلوية عليه من حمل السحاب الذي تنزل منه الرحمة للعباد، أو تنزل منه الصواعق فيصيب الله تعالى بها من يشاء من عباده.
معنى قول المسلمين: إن الله بكل مكان
  ومعنى قول المسلمين: إن الله بكل مكان: هو أن الله تعالى قد أحاط علمه وقدرته ورحمته بكل مكان وبكل شيء، فلا يغيب عنه شيء من الأشياء، ولا يفوته ولا يعجزه شيء، وتماماً كما قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ ... الآية}[المجادلة: ٧]، وكما قال سبحانه: {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}[فصلت: ٥٤]، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[البروج: ٩]، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة: ٢٨٤]، {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[النساء: ١٢٦].
إجماع المسلمين على أن الله خالق كل الأمكنة وأنه كان ولا مكان
  وبعد، فإنَّ الله تعالى - بلا خلاف بين المسلمين جميعاً - هو الذي خلق السموات والأرض، والجهات العلوية والسفلية، وأنه تعالى هو الذي خلق العرش والكرسي، وأيضاً لا خلاف بين المسلمين أن الله تعالى كان ولا مكان ولا زمان، مما يدل على أن الله تعالى غني عن العرش والكرسي، وعن جهة فوق، وعن جميع الأمكنة، وفي ذلك دليل واضح على أن الله تعالى ليس بجسم، وذلك أنه لو كان جسماً لاحتاج إلى مكان، وقد حصل الإجماع على أن الله كان ولا مكان ولا زمان.