عباد الأهوية والرد عليهم
  فإن قيل: لاشك أن الله تعالى كان ولا مكان ولا زمان، وأنه تعالى خالق جميع الأمكنة والأزمنة، غير أنه تعالى لما خلق الأمكنة والجهات اختار لنفسه الجهات العلوية، فجعلها مستقر عرشه، ثم استوى عليه بلا كيف.
  قلنا: قد ثبت بالإجماع أن الله تعالى قد كان ولا مكان، فيثبت بذلك أنه عز وعلا مستغن عن المكان استغناءً ذاتياً، فلا يجوز خروجه عن هذه الصفة الذاتية؛ لأن صفات الذات لا تتغير، فلا يصح أن يكون ذا مكان بعد أن لم يكن كذلك، ولا يجوز أن يكون عاجزاً بعد أن كان قادراً، ولا جاهلاً بعد أن كان عالماً، ولا محدثاً بعد أن كان قديما، ولا ... إلخ.
عُبّاد الأهوية والرد عليهم
  وهناك طائفة تقول: إن ذاته تعالى في كل مكان، وإنه فضاء لا نهاية له، وهؤلاء هم عبّاد الأهوية؛ لاعتقادهم أن الهواء هو ربهم، قالوا: لأنه محيط بالأشياء، فيه كل شيء، وهو مع كل شيء، قالوا: وجدنا فيه الحياة وعند انقطاعه الموت.
  ونقول في الجواب عليهم: الهواء الذي به تستقيم الحياة، وبانقطاعه يحصل الموت جسم مركب كما أثبت ذلك العلم الحديث، وأقرب الأدلة إلى أنه جسم أن الأعراض تحله: كالحرارة والبرودة والحركة والسكون، ولا تحل الأعراض إلا في جسم، وقد ثبت بما تقدم حدوث جميع الأجسام، وبعد، فالهواء ليس محيطاً بكل شيء، فحيوانات البحار التي لا تعيش إلا في الماء بعيدة عن الهواء، ولا يحيط بها شيء منه، ولا تحتاج إليه، بل إنها إذا خرجت من الماء ماتت.
  وأيضاً فإن الهواء الذي تستقيم به الحياة محدود كما ثبت حديثاً، حيث إنه - كما يقولون - يمثل غلافاً يمتد حول الأرض لا يزيد عن خمسمائة ميل، أما ما وراء ذلك فإنه خلاء لا يصلح للحياة رأساً.