قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

والله تعالى لا تدركه الأبصار

صفحة 45 - الجزء 1

  وروي مثل ذلك عن أمير المؤمنين # كما في نهج البلاغة، وبعد، فإن العقل يحكم بأن فتق الأجواء الذي هو الفضاء متقدم على خلق الأجسام، وذلك لأن الأجسام لا بد لها من مكان، ويستحيل وجود جسم في غير مكان.

  هذا، وكل ما تقدم تحت عنوان: تنزيه الله عن الحاجة، وما بعده إلى العنوان القائل: والله لا يجوز عليه الفناء كل ذلك الدليل فيه على ما نختاره واحد، وهو ما ثبت من أن الله سبحانه وتعالى ليس بجسم كما تقدم، فوجب أن ننفي عنه تعالى طبائع الأجسام وخصائصها، كالأعضاء والجوارح، والمكان، والحلول، والاستقرار على العرش، والغفلة، والنسيان، والتفكير، والهم، و ... إلخ، والرؤية، والولادة، والولد، والجهة، والانتقال، والفناء و ... إلخ، فمن وصف الله تعالى بشيء من ذلك فقد جسّمه.

  فإن قيل: قد جاء في القرآن والسنة وصف الله تعالى بذلك.

  قلنا: لذلك معان أخر غير المعاني التي يتوهمها الجاهلون، يعرفها الراسخون في العلم، وقد ذكرنا شيئاً من ذلك في مواضعه من هذا الكتاب.

والله تعالى لا تدركه الأبصار

  قالت الزيدية والمعتزلة والخوارج: والله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، وذلك لأنه جل وعلا ليس من الأجناس التي يصح أن ترى.

  وقالت الأشعرية والحشوية الذين هم أهل الحديث: إن الله سبحانه وتعالى يرى في الآخرة.

  والجواب والله الموفق:

  ١ - أن الرؤية لا تقع إلا على جسم، وقد ثبت أن الأجسام محدثة؛ لما فيها من دلائل الحدوث، التي هي الأعراض المحدثة: كالتركيب والتشكيل والألوان والحركة والسكون و ... إلخ.

  وهذه الطبائع تشترك فيها جميع الأجسام، والعقل يقضي قضاءً لا شك فيه ولا ريب أن الرؤية لا تقع إلا على ما كان متصفاً بتلك الصفات، فكل ما وقع