لا قديم غير الله
  وإنما قلنا: إن المكلف لم يكلف من معرفة الله تعالى إلا بما تقدم لأنه لا طريق إلى معرفة الله إلا آياته المبثوثة في الآفاق، وهي لا تدل على أكثر مما ذكرنا، ولا سبيل إلى معرفة ما سواه، وذلك أن الله تعالى ليس بجسم كما تقدم، والعقل لا يتصور إلا الأجسام وصفاتها التي هي الأعراض.
  فمقدور العقل من العلم شيئان اثنان:
  أحدهما التصديق، والثاني التصور، وقد ثبت أن الله تعالى ليس بجسم ولا عرض، والعقل لا يتصور إلا ما كان كذلك، وحينئذ فلا يجوز تصور الباري تعالى.
  ولذلك قال أمير المؤمنين #: (التوحيد أن لا تتوهمه) أي تتصوره، فلم يبق في مقدور العقل إلا التصديق بما تقدم، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
  هذا، واعلم أنه يحرم التفكر في ذات الله تعالى، وذلك أنه لا سبيل للعقل إلى الوصول إلى معرفة ذات الله تعالى البتة، وحينئذ فلا يثمر التفكير إلا الشك والتصور، وقد حسم الله تعالى أطماع الأفكار وقطع دابر المتصورين، فقال سبحانه: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}[طه: ١١٠]، وروي عن النبي ÷ أنه قال: «تفكروا في الخلق، ولا تفكروا في الخالق فإنكم لن تقدروا قدره»(١).
  وعن علي #: (من تفكر في خلق الله وحّد، ومن تفكَّر في الله ألحد).
(١) جامع الأحاديث (١١/ ٣٢٥) رقم (١٠٨٩٩) وبألفاظ مقاربة برقم (١٠٨٩٨، ١٠٩٠٠)، وعزاها إلى الطبراني وابن عدي وابن مردويه والبيهقي والأصبهاني وغيرهم.