قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

المجاز والرد على من نفى وقوعه

صفحة 65 - الجزء 1

المجاز والرد على من نفى وقوعه

  المجاز: هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في اصطلاح التخاطب لعلاقة مع قرينة، كالأسد إذا أطلق على الرجل الشجاع؛ فإنه يسمى مجازاً، وكالصلاة إذا أطلقها أهل الشرع على الدعاء، فإنها تكون مجازاً، لاستعمالها في غير ما وضعت له عندهم.

  إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد أنكر المجازَ قوم فقالوا: لم يقع مجاز في القرآن ولا في غيره، وأنكر آخرون وقوع المجاز في القرآن والسنة.

  قلنا في الجواب:

  أشعار العرب طافحة بالمجازات، من ذلك قول الهذلي:

  وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع

  المنية الموت وليس لها أظفار تنشبها.

  وفي القرآن الكريم الكثير من المجازات، من ذلك قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}⁣[الإسراء: ٢٤].

  وقوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}⁣[فصلت: ٤٢]، فأثبت للقرآن يدين وليس له يدان. وقال سبحانه وتعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا}⁣[البقرة: ٦٦]، فجعل تعالى للقرية المهلكة يدين اثنتين.

  وقال تعالى: {يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}⁣[الأعراف: ٥٧] فسمى تعالى المطر رحمة، وجعل له يدين اثنتين، وقال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً ...}⁣[النمل: ١٣] فأثبت للآيات الإبصار والمجيء، وذلك من المجاز.

  وقوله تعالى عن القرآن: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}⁣[الزخرف: ٤] فقال: في أم الكتاب، وليس للكتاب أمٌّ على الحقيقة، وأثبت للقرآن صفة العلو وهو في الحقيقة محفوظ في الصدور، وجارٍ على الألسنة، ومكتوب في المصاحف.