قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

تفسير الآيات التي توهم التشبيه

صفحة 67 - الجزء 1

  فعلى تلك اللغة نزل القرآن، ولا مانع حينئذ من ورود المجازات التي علاقاتها ما ذكر، غير أنه يُقر حيث ورد، ولا يجوز للمكلف أن يتجوز بإطلاق مثلها على الله لما تقدم.

  فقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}⁣[القصص: ٨٨]، معناه عند الجميع إلا إياه، ولا يصح لأحد أن يستدل من هذه الآية على أن لله تعالى وجهاً من حيث أن العلاقة في ذلك المجاز هي الجزئية، التي يلزم عنها أن الله تعالى كُلٌّ له أجزاء، وحينئذ يلزم تشبيه الله تعالى بالأجسام المخلوقة تعالى الله عن ذلك.

  لأنا نقول في ذلك: إن الوجه في قوله تعالى: {إِلَّا وَجْهَهُ} غير مراد ولا مقصود، وحينئذ فلا يصح الاستدلال به على التشبيه سواء أكانت العلاقة هي الزيادة أو الجزئية، وهكذا جميع المجازات، فإذا أَطْلَقْتَ لفظ الأسد على رجل شجاع فلا يفهم منه أحد أن للرجل مخالباً وشعراً كشعر الأسد وأنياباً كأنيابه ... إلخ.

  فإن قيل: إذا كانت العلاقة الجزئية فإنه يلزم عنها التشبيه.

  قلنا: العلاقة مصححة للاستعمال وليست مقصودة، وسبيلها سبيل المجاز، ولا مانع من تأويل العلاقة، فقد تأولنا المجاز.

  وقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}⁣[المائدة: ٦٤] كناية عن سعة العطاء والبذل، وبسط اليدين غير مراد.

  وقوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}⁣[القمر: ١٤] كناية عن حفظ الله تعالى وحراسته، والعينُ غيرُ مُرَادَةٍ ولا مقصودة، وإنما هي كلمة تُتَرْجِمُ المعنى المقصود الذي هو الحفظ والحراسة لا غير.

  وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ}⁣[ص: ٧٥]، كناية عن تعظيم آدم وكرامته على الله، والكنايةُ بابٌ من أبواب البلاغة.

  ولا يصح الاستدلال بلفظ الكناية على إثبات شيء أو نفيه، وذلك أن اللفظ