قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الرحمن الرحيم

صفحة 68 - الجزء 1

  فيها لا يكون مراداً، وإنما المقصود بها معنى آخر يلازم ذلك اللفظ، هذا هو طبيعة الكنايات، ويضاف إلى ذلك استحالة المعنى الحقيقي للفظ.

  وقوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}⁣[المائدة: ١١٦]، من باب المجاز الذي يسمى بالمشاكلة، والمعنى: تعلم غيبي ولا أعلم غيبك.

  وقوله تعالى: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}⁣[الزمر: ٥٦]، فجنب الله تعالى مجاز عبر به عن طاعة الله، إذ التفريط لا يقع من المكلف إلا في طاعة الله، والجنب هو الجهة، يقال: أخصب جَنَاب القوم، أي: جهتهم ..

  وأنشد الأخفش:

  الناس جنب والأمير جنب

  أي الناس جهة والأمير جهة.

  فالمجاز حينئذ من تسمية الحال باسم المحل، ولا تستلزم هذه العلاقة هنا التشبيه؛ لأن المقصود بالجنب الطاعة.

الرحمن الرحيم

  الرحمن الرحيم اسمان لله تعالى، حقيقيان، من الحقيقة الدينية، ودليل ذلك أنهما يطلقان على الله تعالى من غير قرينة، بل لا يطلقان إلا عليه ø، وذلك علامة الحقيقة.

  وليس ببعيد أن يقال: إنهما لفظان مجازيان، وتكون العلاقة فيهما المشابهة، شبه الله تعالى فعله بالمخلوقين من إسبال النعم عليهم في الدنيا والآخرة، وإمهالهم والستر عليهم في الدنيا، وقبول التوبة، ونحو ذلك بفعل ذي الحنو والشفقة، ولا يلزم من تشبيه فعله تعالى بفعل المخلوق التشبيهُ له تعالى بخلقه.

  ورحمة الله مجاز، والعلاقة المشابهة بين فعله تعالى وفعل ذي الحنو والشفقة من خلقه، ولا يلزم من ذلك التشبيه كما ذكرنا.

  ومن هذا النوع قوله تعالى: {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} و {خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} و {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} ونحو ذلك، فلا يلزم منه التشبيهُ حيث شبه فعله بالمنافقين بفعل خلقه.