قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

القائلون بأن الفعل يقبح لذاته

صفحة 75 - الجزء 1

علة قبح الفعل عند أئمتنا ومن وافقهم

  قال أئمتنا $ والزيدية ومعتزلة البصرة: لا يقبح الفعل إلا لوقوعه على وجه يتعلق به، ومعنى ذلك أن القتل مثلاً يقبح إذا كان على وجه الفساد والعدوان، فإذا انتفى الفساد والعدوان في القتل فلا يقبح كالقتل قصاصاً أو حداً، ويقبح الكذب لما يترتب عليه من نقص قائله، وما يترتب عليه من عدم الوثوق به، ولما يترتب عليه من العدوان والفساد إذا كان فيه ضرر على أحد.

  ويقبح الزنا لما فيه من هتك الأعراض، واختلاط الأنساب، مع ما يحصل به من الأمراض الفاتكة، وشرب الخمر لما فيه من فساد العقل، وما يترتب عليه من العدوان والفساد، وهكذا سائر القبائح العقلية والشرعية فإن قبحها لم يكن إلا من أجل أمر يتعلق بها بسببه يصير الفعل قبيحاً.

القائلون بأن الفعل يقبح لذاته

  وروي عن بعض المتكلمين وبعض الفقهاء: أن الفعل يقبح لا لأمر يقع عليه، بل إنما يقبح لذاته، واستدلوا على ذلك بأن قالوا: إن الأصل في مطلق الأفعال الحظر، وإنما كان الأصل فيها كذلك؛ لأنها تصرف في ملك الله سبحانه وتعالى، وذلك لا يجوز إلا بإذنه، فما جاء الإذن فيه من الله للمكلفين بفعله فهو حسن، وما لا يجيء فيه الإذن فهو قبيح، ومن هنا فلا يحتاج القبح إلى وجه كما يقوله الأولون.

  والجواب عليهم: أن العقلاء لا تذم من تناول شربه من الأنهار ونحوها، أو تمشَّى في الأرض قبل ورود الشرائع، ولا تصوب من عاقبه، ولو كان الأصل هو الحظر لذمته العقلاء، وصوبت من عاقبه؛ لتعديه في الفعل قبل معرفة إذن الشرع.