تخاليط الأشعرية والمجبرة في القدرة والجواب عليهم
  وقال بعض المجبرة: إن الله لم يخلق للعبد قدرة البتة، وإنما هو الذي يصرفهم ويفعل بهم ما شاء، ويؤخذ الجواب مما سبق.
  ثم قالت المجبرة عموماً: لو خلق الله تعالى لعباده قدرة يتصرفون بها، ثم عصوا الله تعالى لكان عصيانهم منازعة لله تعالى في سلطانه، ومغالبة له جل وعلا، حيث نهاهم عن ذلك فعصوه، وخالفوه، وغالبوه فغلبوه، ويلزم حينئذ أن يكون الله تعالى مغلوباً، وذلك لا يجوز ولا يصح، هكذا يستدلون.
  والجواب والله الموفق: إنه ليس فيما ذكرتم منازعة، ولا مغالبة، وذلك أن الله تعالى بين للمكلفين مَحَابَّهُ من الأعمال وَمَكَارِهَه، ورغّبهم في طاعته، وحذرهم من معصيته، فمن أطاعه أدخله الجنة، ومن عصاه أدخله النار، ومكنهم من اختيار أي الطريقين، بما ركب فيهم من العقول والقدرة، فالعاصي لا يُعَدُّ حينئذ مغالباً لربه ولا منازعاً له في سلطانه، وما ذلك إلا كفعل عبد قال له سيده: لا أرضاك تأكل البر ولا أمنعك عنه، ولكن إن فعلت عاقبتك، فإن مخالفة العبد لسيده لا يعد مغالبة ولا منازعة لسيده، إذ أن المغالبة والمنازعة هي المقاومة بالعدد والعدّة ونحو ذلك، ولا يقال في حق العبد إنه لعصيانه غالب، ولا مغالب، وعلى هذا سلاطين البشر مع رعاياهم فإن عصيان الرعايا لا يعد مغالبة ولا منازعة، ولا يقال غالب ومغلوب إلا إذا عجز عن مجازاة العاصي وتأديبه، أما إذا أدب السلطان العاصي وألحق به جزاء عصيانه فلا يصح أن يقال إن العاصي غالب، ولا السلطان مغلوب.
  وقالت المجبرة أيضاً: سبق في علم الله تعالى أن العاصي يفعل المعصية، فكيف يتمكن من تركها مع ذلك؟
  قلنا في الجواب عليهم: عِلْم الله تعالى لا تأثير له في حدوث فعل الطاعة والمعصية اتفاقاً بيننا وبين المجبرة، أما نحن فواضح، وأما المجبرة فإنهم يقولون إن أفعال العباد تحدث بقدرة الله، وبفعله لا بعلمه.