الإرادة عند العبد
الإرادة عند العبد
  وللعباد إرادة يحدثونها لمصالح أنفسهم، ودفع المضار عنها، وبها يستحقون المدح والذم، ومن شأن هذه الإرادة أن لا توجب المراد، ولا تولده، وقد أنكرت المجبرة ذلك فقالوا: ليس للعباد إرادة البتة، وإنكارهم لها مكابرة لضرورة العقل، وقد قال الله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}[المزمل: ١٩]، فنسب المشيئة إلى العبد، وقال سبحانه وتعالى: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً}[النساء: ٦٠]، وقال جل وعلا: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَة}[الأنفال: ٦٧]، وقال تعالى: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً}[النساء: ٢٧]، وقال سبحانه: {يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ}[النساء: ٩١] إلى غير ذلك من الآيات التي تثبت إرادة العبد.
  والإرادة هي: إعداد النفس وتوطينها على الفعل أو الترك، وتتبع الفعل في الحسن والقبح، فإرادة الحسن حسنة، وإرادة القبيح قبيحة، ومن هنا قالوا: إنه يلحقها الثواب والعقاب، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّه}[البقرة: ٢٨٤].
  وقيل: إن الله تعالى يتجاوز عن مثل ذلك؛ لقوله ÷: «تجاوز الله عن أمتي ما حدَّثتْ به أنفسها ما لم تقل أو تفعل»(١).
  قلنا: الإرادة والعزم شيء، وحديث النفس شيء آخر، فالإرادة والعزم فعل اختياري من أفعال العبد، وحديث النفس يأتي الإنسانَ بغير اختياره، فهو حينئذ ليس من فعله، فالحديث يراد به حديث النفس الذي لا اختيار للعبد في حدوثه، وقد قال تعالى فيما كان كذلك: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦].
  ويؤيد ما ذكرنا ما روي عن النبي ÷ أنه قال: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل يا رسول الله فهذا القاتل فما بال المقتول؟ فقال: إنه أراد
(١) صحيح مسلم (١/ ١١٦) رقم (١٢٧)، صحيح البخاري (٧/ ٤٦) رقم (٥٢٦٩)، مختلف الشيعة للحلي (٨/ ٤١٧) بألفاظ تؤدي معنى ما هنا.