قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الاحتجاج بالدعاء بالتوفيق والتسديد ونحوهما

صفحة 97 - الجزء 1

  العدالة معروف عند البشر متقرر في عقولهم، ولا شك أن ما تذكُرُه المجبرة متناف مع ذلك غاية التنافي، مع ما فيه من تكذيب المدائح التي تمدّح الله تعالى بها في كتابه الكريم من نحو قوله تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ٤٩}⁣[الكهف] وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥].

  فقول المجبرة: إن الله تعالى خلق الإنسان ثم خلق فيه الكفر والفسوق والعصيان، وأراد ذلك وشاءه وقدره وقضاه، ليس للإنسان فيه فعل ولا إرادة ولا مشيئة، والله تعالى هو الذي تولى ذلك دون الإنسان، ثم يعذبه الله تعالى بالخلود في النار والأغلال، فهذا من أعلى منازل العسر وأشدها، بل لا عسر فوق ذلك، وعلى قول المجبرة فأين ما تمدّح الله بنفيه في قوله: {وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ

  وعلى الجملة فلا يسعنا سرد الأدلة على بطلان مذهب المجبرة، ويكفي لمعرفة بطلانه بعد بديهة العقل أن يقرأ العاقل القرآن، فإنه سيجده من أوله إلى آخره يردُّ على الجبرية، ويصيح في وجه مذهبهم الشيطاني.

الاحتجاج بالدعاء بالتوفيق والتسديد ونحوهما

  قد تحتج المجبرة على مذهبها وهو أن الله تعالى هو الذي يخلق المعاصي والطاعات ويريدها ويشاؤها ويقضيها ويقدرها بمشروعية الدعاء بالتوفيق والتسديد والإعانة والعصمة والهداية ونحو ذلك.

  ومن ذلك الأدعية المأثورة عن النبي ÷: «اللهم أعنا على أداء ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ... واهدنا ويسر الهدى لنا .... وخذ إلى الخير بنواصينا، واجعل الإسلام منتهى رضانا» إلى غير ذلك من الأدعية، وهي كثيرة في هذا الباب.

  وقد يؤيدون ذلك بنحو قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَان}⁣[الحجرات: ٧].

  والجواب والله الموفق: أن الدعاء بذلك ثم حصوله لا ينافي الاختيار، وذلك