قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

والفتنة تجيء في اللغة لمعان:

صفحة 109 - الجزء 1

  لذلك فيجوز أن يقال في أغوى الله الضُّلاَّل إنه بمعنى: حكم عليهم بالغواية، وسماهم بها حين غووا وضلوا عن طريق الحق، أو بمعنى أتعبهم بالعذاب، ولا يجوز أن يفسر ذلك بأن الله صرفهم عن طريق الحق، وأدخلهم في الغواية والضلال، لأن ذلك سبّ لله تعالى وتزكية لإبليس كما تقدم.

والفتنة تجيء في اللغة لمعان:

  ١ - بمعنى الاختبار، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ٣}⁣[العنكبوت] أي: اختبرناهم.

  ٢ - وبمعنى الشدة والمحنة، كما في الحديث: «ستأتي من بعدي فتن متشابهة كقطع الليل المظلم، فيظن المؤمنون أنهم هالكون عندها، ثم يكشفها الله بنا أهل البيت». فالمراد هنا المحن والشدائد والأهوال.

  ٣ - وبمعنى الإضلال والإغواء عن طريق الحق، كما في قوله تعالى: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ١٦٢ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ١٦٣}⁣[الصافات] أي: ما أنتم بمضلين إلا من هو من أهل الضلال.

  ٤ - وبمعنى العذاب، كما قال تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}⁣[الذاريات: ١٣] أي: يعذبون.

  فيجوز أن يقال: فتن الله المكلفين بمعنى اختبرهم بالتكاليف والشدائد، ويقال: يفتن الله تعالى المجرمين بمعنى يعذبهم بذنوبهم.

  ولا يجوز أن يقال: المعنى أن الله تعالى يدخلهم في الضلال والغواية، لأن ذلك ذم لله تعالى وتزكية لإبليس وجنوده.

  والمجبرة تقول في ذلك: إن الله تعالى يدخلهم في الفتنة والضلال والغواية، وقد جعلوا هذه الآيات التي ذكرنا وشرحنا دليلاً على مذهبهم.

  واعلم أن هذه الآيات التي ذكرنا من الآيات المتشابهة.

  ومن المناسب أن نفسر المتشابه الذي ذكره الله تعالى في قوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ... الآية}⁣[آل عمران: ٧].