قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الاختبار والابتلاء

صفحة 110 - الجزء 1

  فنقول: الآية قد تكون من المتشابه لوجود كلمة فيها تحتمل عدة معان مختلفة، فيشتبه من أجل ذلك على الناظر المعنى المقصودُ، كما تقدم في الآيات التي ذكرناها، فإن الهدى والضلال والإغواء والفتنة تحتمل كل كلمة منها عدة معان مختلفة متنافية، وهذا المعنى الذي ذكرناه في تفسير المتشابه هو المتوافق مع اشتقاق لفظة المتشابه، وذلك أن المتشابه والتشابه صيغة موضوعة في اللغة للمشاركة في معنى الفعل بين اثنين فأكثر، ومن هنا فإن اللفظة إذا احتملت عدة معان مختلفة استحقت اسم التشابه، والمراد أن المعاني التي تحتملها اللفظة متشابهة في صحة إطلاق اللفظة عليها.

الاختبار والابتلاء

  قد سبق أن الفتنة تأتي بمعنى الاختبار والابتلاء في قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ٣}⁣[العنكبوت] فمن المناسب هنا توضيح معنى الاختبار والابتلاء الصادر من الله تعالى، فنقول:

  إن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، مطلع على خفيات الغيوب، لا يخفى عليه ضعيف الإيمان، ولا قوي الإيمان، ولا كاذب الإيمان، غير أنها اقتضت حكمته تعالى أن لا يجازي إلا على الأعمال الظاهرة لا على علمه.

  لذلك فإنه تعالى يريد أن تظهر أعمال عبيده بحيث يتميز ويُعْرَف كل واحد منهم عن الآخر بما ظهر من عمله الذي يعبّر عن صِدْق الإيمان أو كذبه، والذي هو ترجمة صادقة عما يكنّه الضمير من الإخلاص أو عدمه.

  فشبه الله تعالى التكاليف والشدائد التي يحمِّلها عباده، والتي ينكشف بها الصادق والكاذب، ويتميز بسببها المؤمن والمنافق، شبّه تعالى فعله ذلك بفعل المختبر الجاهل بحقيقة الأمر، فسماه الله تعالى لذلك اختباراً لما كان في الصورة يشبه فعل المختبر.

  وكذلك يفسر ما كان نحو هذا، كقوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ