الطبع والختم
  وقد أجيب بأن أعمال الكفار والفساق أوضح من ذلك، مع أن الملائكة À لا يرون ما وَارَاه اللباس من العورة، كما ورد عن النبي ÷ أنهم يغضون أبصارهم عند قضاء الحاجة.
  وما روي عن علي # فهو استعارة يراد بها التنوير والبصيرة.
  نعم، الأولى في الطبع والختم أن يقال: إن الطبع والختم في نحو قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ...}[البقرة: ٧] قد جاء على طريق الكناية التي هي أبلغ من التصريح، ويكون المعنى المراد حينئذ الإخبار عن الكفار بأنهم قد بلغوا في الغفلة والإعراض والتعنت وترك النظر والاستماع إلى آيات الله إلى الغاية والنهاية، وهذه الغاية والنهاية التي وصل إليها الكفار من الإعراض والغفلة و ... إلخ، صورها الله لنا بأبلغ تصوير وأوضحه وأتمه، وذلك في ذكره للختم والطبع، حيث إن السامع لا يتصور الغفلة البالغة، والإعراض العظيم، والتعنت في أقصى غاياته، و ... إلخ تمام التصور إلا في مختوم القلب ومطبوعه، الذي استحكم ختمه وطبعه، بحيث لا يتصور منه الفهم والإدراك.
  وقد أخبر الله تعالى عن هذا المعنى الذي ذكرنا بأسلوب آخر في قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ١٧١}[البقرة] فشبه الله تعالى الكفار بالأنعام التي لا تسمع إلا مجرد الأصوات من غير فهم لما يقال لها، ثم أخبر تعالى عنهم بأنهم صم لا يسمعون، وعمي لا يبصرون، وبكم لا يتكلمون، وأخيراً قال: فهم لا يعقلون، وكل ذلك يراد به التصوير لما ذكرنا من شدة الإعراض والغفلة و ... إلخ.
  ولم يرِد الباري تعالى أن يخبر بأنهم صم على الحقيقة، وعمي على الحقيقة، وبكم على الحقيقة، ولا يعقلون على الحقيقة، وذلك أن المعلوم أنهم كانوا بصراء ذوي أسماع، يرون آيات الله ويسمعونها، وكانوا ذوي ألسنة وفصاحة، وفي هذه الآية الأخيرة دليل على ما ذكرنا من تفسير آية الختم.