قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

حديث جابر في القدر

صفحة 119 - الجزء 1

  ٣ - وبمعنى بيَّن يقال: قدَّر القاضي نفقة الزوجة والقريب.

  ٤ - وبمعنى قاس، يقال: قدرت هذا الثوب على ذاك، أي: قسته به وجعلته مثله.

  ٥ - وبمعنى فرض، يقال: قدِّر ما شئت، أي: افرض وأوجب ما شئت.

  وبناءً على هذا فيقال: إن الله قدّر الطاعة بمعنى فرضها وأوجبها، وقدّر المعصية بمعنى بينها وأوضحها.

  ولا يجوز أن يقال ذلك بمعنى خلق، خلافاً للمجبرة، ويؤخذ الجواب عليهم مما أسلفنا.

حديث جابر في القدر

  روي عن جابر أنه قال: قال رسول الله ÷: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه» وقد روي نحوه، فالمجبرة يستدلون بذلك على مذهب الجبر.

  ونحن نقول: المراد بالحديث قريب مما جاء في آية الحديد: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُم}⁣[الحديد: ٢٢ - ٢٣]، ويقرب من ذلك قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ١٥٥}⁣[البقرة].

  وكل ذلك يراد به ما يقضيه الله سبحانه وتعالى ويقدره من الخصب والجدب، والصحة والمرض، والغنى والفقر، والأمن والخوف، والحياة والموت، وما أشبه ذلك مما ليس للعباد في تحصيله أو دفعه سبيل أو حيلة، أما معاصي العباد وأفعالهم فليست من القدر المذكور في الحديث ولا مما ذكرته آية الحديد؛ وذلك لأن نصوص القرآن تضيف أفعال العباد إليهم، الطاعات منها والمعاصي، وهذا مع إطباق الأمة على إضافتها إليهم بما فيهم المجبرة.

  ولو كان الأمر كما تذكر المجبرة لَمَا أطبقت الأمة على ما ينافي الإيمان، ولما جاء ذلك في نصوص القرآن.