قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

التوبة

صفحة 256 - الجزء 1

  والدليل على أنها من الواجبات المضيقة: أن التراخي عن التوبة إصرار، والإصرار على الذنب ذنب ومعصية، وعلى هذا فتتضاعف المعصية بمرور الوقت، وأيضاً فالعاصي مخاطب بالتوبة في كل وقت، فيكون ترك التوبة معصية أخرى.

  وتصح التوبة ويقبلها الله تعالى مدة العمر إلى أن يغرغر الإنسان بالموت، وذلك وقت حضور الملائكة لقبض الروح؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ..}⁣[النساء: ١٨].

  قال بعض المعتزلة: وتجب من الصغائر.

  قلت: وهذا ليس ببعيد؛ لقوله تعالى لنبيه ÷: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ....}⁣[محمد: ١٩]، وقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ١١٨}⁣[المؤمنون]، وقوله تعالى: {.. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ٣}⁣[النصر].

  وقد أمر الله المؤمنين بالتوبة على الإطلاق في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحا}⁣[التحريم: ٨] ... إلى غير ذلك من الآيات.

  وفي الحديث: «أمْسُوا تائبين وأَصْبِحوا تائبين».

  وقد وصف الله عباده المؤمنين بقوله: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ١٠٩}⁣[المؤمنون].

  ووصف إيمان الرسول والمؤمنين في آخر سورة البقرة فقال تعالى في آخره حاكياً: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ....}⁣[البقرة: ٢٨٦] ... إلى غير ذلك، وهو كثير في القرآن.

  والتوبة: هي الندم على ما فعل من المعاصي، والعزم على أن لا يعود، وهي مقبولة من كل ذنب.

  وقد خالف بعضهم في قبول التوبة من قتل المؤمن، وهو قول باطل، فإنها تقبل من قتله؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ