قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

فلسفة البهشمية حول حدوث العالم

صفحة 26 - الجزء 1

  {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ... الآية}، ابتداء الخلق من نفس واحدة هي آدم وحواء، ثم التناسل والتكاثر والنمو والانتشار، فإذا أجناس وألوان وأصناف ولغات، وإذا شعوب وقبائل وأجناس لا تحصى، وأنواع لا تستقصى، كلها نشأت من نفس واحدة تتكاثر بالتزاوج، كل ذلك مما تستسلم عنده الفطرة، وتستجيب لداعي الإيمان.

  {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}: في هذه الآية عرض لبدائع صنع الله تعالى من إنزال الماء من السماء على الأرض، وما يتسبب نزوله عليها من خروج أنواع الأشجار وأصناف النبات، وما يخرج من أنواع الثمار، وما فيه من الآيات عند نضوجه وصلاحه، ولا تحتاج هذه الآيات التي تلوناها أكثر من القراءة لها والتدبر.

  ومن هنا قال تعالى بعد هذه الآيات {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا .....}⁣[الأنعام: ١٠٤].

فلسفة البهشمية حول حدوث العالم

  ومن فلسفة البهشمية⁣(⁣١) في هذا الباب قولهم: إن ذوات العالم ثابتة في الأزل ولا يصح أن تقول عندهم: إنها موجودة في الأزل، ولا يصح أيضاً عندهم أن تقول: إنها ثابتة في القدم.

  وعلى هذا فخلق الله وتأثيره إنما تعلق بإحداث صفة الوجود لتلك الذوات الثابتة في العدم، أما الذات فلا تأثير لله تعالى فيها بزعمهم.


(١) هم فرقة من المعتزلة أتباع أبي هاشم. (شرح الأساس الكبير).